الحرب الوجودية بين العمامة الإيرانية والقلنسوة الصهيونية ــ أمين أبوراشد

الخميس 03 تموز , 2025 11:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
ستة وأربعون عاماً على الثورة الإسلامية في إيران، وعلى إعلان الإمام الراحل آية الله الخميني في التاسع من حزيران عام 1979 "يوم القدس العالمي"، على أن يتم إحياؤه سنوياً خلال الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وغدت نحو 80 دولة حول العالم تشارك فيه بنسب متفاوتة للمشاركات الرسمية أو الشعبية، رفضاً للعدوان والاحتلال، ومناسبة لكل المظلومين والمستضعفين مقارعة المستكبرين، وجعل الإمام الخميني بهذا الإعلان للقدس رمزيتها الإنسانية المركزية إضافة الى الرمزية الدينية، مما بات يضفي على حياة الصهاينة هلعاً إضافياً من الزوال الوجودي للكيان الغريب.

قد لا تكون أجيال الثمانينات والتسعينات وبداية الألفية الثالثة على إدراك، أن "يوم القدس العالمي" الذي يطالب بإزالة الكيان الصهيوني المحتل من الوجود، بات ضمن العقيدة الإيمانية للجمهورية الإسلامية في إيران، وأن الصراع الجوهري مع الصهاينة حول البرنامج النووي الإيراني، هو نتاج الخوف من نظام عقائدي يعتبر احتلال فلسطين رجساً من أفعال الشياطين يجب إزالته من الوجود، مما عزز لدى الصهاينة خوفهم من لعنة "العقد الثامن" (ألا استمرار لمملكة أو دولة يهودية أكثر من ثمانين عاماً)، استناداً الى تجربتين لمملكتين سابقتين: "داود وسليمان" و"حشمونائيم" اللتين لم تعمِّر أيّ منهما لأكثر من ثمانية عقود.

وقد يكون إعلان "يوم القدس العالمي" في وجه الكيان الصهيوني أقلق بعض الأنظمة العربية بمقدار ما أقلق "إسرائيل" نفسها، ونمت عداوات خليجية لإيران على خلفية اتهامها بتصدير "الثورة الإسلامية" إلى جوارها من الممالك والإمارات العائلية، وبدأ سباق التسلح لمواجهة الخطر الإيراني، بحيث باتت إحدى الدول الخليجية على رأس قائمة الزبائن لدى لوبي صناعة الأسلحة الأميركية، وباتت إيران ذلك "البعبع" الذي أخافت به أميركا الدول الخليجية على مدى عقود، وتمددت الصحراء الخليجية لاستقبال القواعد الأميركية تحت ذريعة حماية منشآت النفط.

خلال شن العدوان "الإسرائيلي" الأميركي الأخير، كان من بين الأهداف الرئيسة لهذه الحرب إسقاط النظام الديني الذي قامت لأجله الثورة الإسلامية الإيرانية وأسقطت نظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، وهي ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها اسم نجله وولي عهده "رضا بهلوي الثاني" كبديل عن الحكم الحالي في إيران، وهو على مر السنين الماضية اعتبر نفسه البديل الرسمي للثورة الإسلامية في إيران، وفي شباط/ فبراير 2025 تم اختيار بهلوي من قبل عدة أطياف من المعارضة الإيرانية ليكون زعيم المعارضة وكذلك رئيس الحكومة الانتقالية المستقبلية، "حتى تشكيل الجمعية الوطنية الأولى وبدء حكومة ديمقراطية من خلال انتخابات حرة".

"ورضا بهلوي الثاني"، البالغ من العمر 64 عاماً، كان فتىً يافعاً عند إسقاط نظام والده نتيجة مزيج من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الاستبداد والقمع والفساد، والاعتماد المفرط على الغرب، وفشل برامج الإصلاح، ما أدى إلى صعود قوى دينية من قلب المعاناة الشعبية لإنهاء حكم دكتاتوري ظالم.

"رضا بهلوي الثاني" وريث العرش الشاهنشاهي، وعد نفسه مراراً بالقدوم إلى إيران على صهوة حصان أميركي، لتغيير عقيدة وإيمان 82 مليون إيراني، واعتقد البعض، أن بلداً بحجم قارة يمكن إسقاط نظامه وتغيير الحكم فيه وتغيير العقيدة، خلال 12 يوماً من غارات كيان عدواني ما زال لغاية اليوم يحصي أضرار الردّ الإيراني الصاعق على وسطه من حيفا الى تل أبيب، ولو لم يتدارك الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأمر، بتوجيه ضربة "رفع عتب" للمنشآت النووية الإيرانية وإعلان وقف نار مفاجئ ومُلزم لنتانياهو، لكانت القواعد الأميركية وآبار النفط الخليجية قد غدت براكينَ من حمم تحرق كل الشرق الأوسط وجواره. 

ويجتهد الكثيرون الآن في إخراج سيناريو حرب قريبة قادمة بين "إسرائيل" وإيران، ولكن نتيجتها ستكون بنفس نسبة مساحة فلسطين المحتلة مقارنة بمساحة إيران، لأن القدرات الإيرانية المدعومة علناً من باكستان والصين ستحسم المعركة، وما على دول الخليج سوى الحذر أنها لن تكون بمأمن، لأن كل مصدر نار على إيران من أراضيها أو مياهها الإقليمية سيحلل لإيران الرد الرادع، والحرب الوجودية بين العمامة العقائدية الإيرانية والقلنسوة العنصرية الصهيونية سيدفع ثمنها كل الإقليم ويتشظى منها كل العالم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل