إيران تبقى العقبة أمام شرق أوسط جديد على قياس نتانياهو ــ أمين أبوراشد

الإثنين 30 حزيران , 2025 12:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مراقب سياسي واقعي يقول: كل مَن تُسوِّل له نفسه الدخول في حرب مع إيران، عليه أن يُدرك أنها ممنوع عليها أن تُهزَم.. وهي إلى جانب مساحتها الهائلة وتعداد سكانها، أمَّة بحدّ ذاتها كما الأمة العربية، مع وجود فارق كبير؛ أن العرب رغم انقساماتهم، فإن السوري من السهل عليه اللجوء في حالة الحرب الى الأردن والعراق ولبنان، وكذلك الأمر بالنسبة للعراقي الذي انتقل إلى سوريا والأردن خلال فترات الحرب، لكن الإيراني ليس لديه خيار سوى الصمود في بلاده، مهما كانت كلفة هذا الصمود، لأن حدود البلدان المجاورة والبعيدة ليست مفتوحة بسهولة لاستقباله، ولا هو عموماً يميل للانتقال إليها.

أما وقد احتفلت كل من إيران و"إسرائيل" بالنصر، فإن خبراء أجمعوا على أن تفوُّق الطيران الحربي "الإسرائيلي" استطاعت إيران التوازن معه عبر قدراتها الصاروخية التي تركت بصمات غير مسبوقة في الداخل الصهيوني، خصوصاً في حيفا وتل أبيب.

وإعلان كل من الطرفين نصره على الآخر مسألة نسبية، وإذا اعتمدنا هذه القاعدة قياساً لمساحة إيران ومساحة فلسطين المحتلة، نستطيع أن نجزم بأن هذه الحرب لو طالت لما بقي في تل أبيب وحيفا حجر على حجر، وقد سبق ورأينا فيديوهات انفعالية لبنيامين نتانياهو وإيتمار بن غفير، يعربان فيها عن استهجانهما من القدرة الصاروخية التدميرية لدى إيران، إضافة الى ردة فعل المستوطنين المذعورين، الذين خرجوا إلى الشوارع وأطلقوا صرخات الاسترحام والاعتذارات العلنية من إيران عن غباء نتانياهو.

وأمام اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب صراحة لوسائل الإعلام بالقول: "لقد أنقذنا إسرائيل خلال حربها مع إيران"، فإن الحرب التي بدأتها "إسرائيل"، عرفت إيران كيف تنهيها، وسط حديث الكثير من المراقبين، أن هناك أجيالاً من الصواريخ الحديثة لم تستخدمها إيران، لانتفاء الحاجة إليها، وهذه الصواريخ كانت جاهزة لقصف القواعد العسكرية الأميركية، سواء في البر الخليجي أو في البحر، وخوف الدول الخليجية من تداعيات الغضب الإيراني هو الذي فرمل هذه الحرب، خصوصاً بعد الضربة الإيرانية التحذيرية على قاعدة العديد في قطر.

وإذ تزامنت الضربة الأميركية لمواقع نطنز وأصفهان وفوردو، مع انعقاد الدورة 51 لوزراء خارجية منظمة العمل الإسلامي في إسطنبول، أبدى وزراء خارجية دول الخليج مخاوفهم من أية إشعاعات نووية قد تبلغ أجواء بلدانهم، إضافة إلى تداعيات الحرب "الإسرائيلية" - الإيرانية على هذه البلدان، وقد ثبت بالفعل أن الضربة الإيرانية على قاعدة العديد في قطر، تلاها إعلان ترامب المفاجئ بوقف إطلاق النار بالتعاون مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي تولى التشاور مع الجانب الإيراني، فيما ترامب اكتفى فقط بإبلاغ بنيامين نتانياهو عن قراره بإنهاء الحرب، التي بدأت بملامسة القواعد الأميركية في عقر الصحارى الخليجية ومنشآت النفط.

ومع كثرة التكهنات حول خسائر الطرفين، "الإسرائيلي" والإيراني، ثبت أن ثلث مساحة تل أبيب قد تضرر كلياً أو جزئياً من القصف الإيراني، وأن إعادة الإعمار تستلزم خمس سنوات، فيما أقرَّت "إسرائيل" أن الضربة الأميركية قد تؤخر البرنامج النووي الإيراني حوالي ثلاث سنوات، دون التأكد من مصير مادة اليورانيوم المُخصَّب المُقدَّر بحوالي 400 كلغ.

هنا برز دور المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، الذي أعلن عدم معرفته بمكان تخزين اليورانيوم الإيراني، وأن إيران ربما نقلت كميات منه إلى أمكنة مجهولة، وذلك قبل الضربة الأميركية، وتزامن تصريح غروسي مع إعلان إيران تجميد كافة أعمال هذه الوكالة على أراضيها، ورفضت استقبال غروسي، الذي اعتبرته جاسوساً يعمل لصالح أعداء إيران، بل إنه كان من المسببين للضربة الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية.

أما بعد، وبعد اعتراف الإدارة الأميركية بوجوب العودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران، وبعد إعلان ترامب بنفسه وجوب وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن في قطاع غزة، عبر استئناف المفاوضات بين حماس و"إسرائيل"، عاد نتنياهو من "حملة طهران" ليواجه حملة داخلية انطلقت بوجهه في الكنيست، ووصفه رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الأسبق نفتالي بينيت بأنه أفشل رئيس وزراء في تاريخ الكيان، ووافقه أيضاً رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، الذي اعتبر نتانياهو كارثة على أمن واقتصاد المجتمع "الإسرائيلي"، فيما ازداد غضب أهالي الرهائن من تسويفه بشأن قضية ذويهم، وخاطبوا ترامب بدلاً منه لتحرير الرهائن، ثم حصلت المفاجأة يوم الأحد، حين قررت الحكومة "الإسرائيلية" إعادة سكان غلاف غزة الى منازلهم، بما يعني رضوخاً لتعليمات ترامب بوجوب وقف إطلاق النار في غزة، تماماً كما حصل في وقف الحرب مع إيران، وتسجيل خطر جديد ينتظر نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة؛ أن الضفة الغربية تشارف على الانفجار نتيجة الممارسات بحق الفلسطينيين هناك، ولن يعرف نتانياهو طريقاً لشرق أوسط جديد على مقاس أوهامه، سوى على خريطة يحملها بين يديه منذ سنوات وتمزقت في طهران خلال بحثه عن "اليوم التالي" الذي لن يراه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل