أقلام الثبات
بعد الاجتياح "الإسرائيلي" عام 1982، وأثناء حصار بيروت، شكّل رئيس الجمهورية "إلياس سركيس" لجنة الإنقاذ الوطني ،وتم دعوة حركة أمل برئاسة الرئيس نبيه بري ممثلا "ًللشيعة"؛ وفق التشكيل الطائفي للجنة ، لمناقشة موضوع الاجتماع واستسلام المقاومة الفلسطينية ونفيها خارج لبنان، مع أن الحركة والشيعة لم يكونوا الطرف المعني مباشرة بالمشكلة، ولم يكونوا طرفاً فاعلاً على المستوى الميداني، حيث كان الميدان والقرار السياسي بيد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.
انقسم الموقف الشيعي حول المشاركة في لجنة الإنقاذ تحت الاحتلال "الإسرائيلي" ،فمنهم من رفض المشاركة، وبعضهم أيّد المشاركة المقيدة والمشروطة، لاعتبارات إنسانية وسياسية، لتأمين مقعد سياسي للشيعة خاصة، وإن مرحلة تأسيسية للنظام ستبدأ بعد رحيل منظمة التحرير وتفكّك الحركة الوطنية واستلام "الكتائب" للسلطة، عبر انتخاب بشير الجميل "عرّاب الاجتياح الإسرائيلي" رئيساً للجمهورية.
لحسم الخلاف حول مشاركة الرئيس نبيه بري ،تم عقد اجتماع حضره بعض العلماء والشخصيات السياسية ،بحضور المرحومين الشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ عبد الأمير قبلان، وبعد النقاش، ووفق الاجتهاد الفقهي، للشيخ شمس الدين ،فقد أُعطي الإذن الشرعي للرئيس بري بالمشاركة ،بشرط حصر النقاش بالأمور الميدانية والمعيشية لوقف إطلاق النار والسماح للمدنيين بالخروج من بيروت، والتأكيد عليه عدم التعهد بأي شيء سياسي، بانتظار انتهاء الاجتياح ووقف النار.
اليوم، يعيد التاريخ نفسه، بعد 43 عاماً من الاجتياح، ويشكّل رئيس الجمهورية لجنة لمناقشة مصير السلاح، بغياب الطرف المعني والمالك للسلاح، والمحصور بين خيارين:
- الخيار الأول: تسليم السلاح طواعية "على نفقة المقاومة" مقابل وعودٍ وهمية فارغة غير ملموسة وغير وازنة، تتمثّل بالانسحاب "الإسرائيلي" من النقاط الخمس (يمكنها العودة اليها بدقائق)، والوعود بإعادة الإعمار دون تحصيل أي بند يتعلق بوقف الحرب ومنع اختراق السيادة اللبنانية واجوائها، ودون ضمانات حقيقية بعدم الاجتياح وشن الحرب مجدّداً.
- الخيار الثاني، نزع السلاح بالقوة عبر اجتياح "إسرائيلي" بري وجوي، وربما بالتلازم مع إشعال الحدود السورية - اللبنانية عبر الجماعات التكفيرية وسلطة الجولاني، وبرعاية أميركية وموافقة عربية وتصفيقٍ لأغلب اللبنانيين.
مسألة السلاح لا تتعلق بالصواريخ الثقيلة وفق ما يعتقد البعض وبأنها مسالة لوجستية تقنية، سهلة وغير خطيرة، إنها في الواقع ستقرّر مصير الطائفة الشيعية السياسي والأمني والوجودي، وكذلك مصير الوطنيين اللبنانيين من كل الطوائف ،لأن سلب المقاومة أوراق القوة التي تملكها، سيجعل المشروع الوطني اللبناني محاصراً وغير موجود وسينتصر المشروع "الإسرائيلي" في لبنان، بعد 43 عاماً على إسقاطه باغتيال بشير الجميل وانتفاضة 6 شباط 1984، وتمكّن المقاومة اللبنانية من إفشال الاجتياح على الساحة اللبنانية، وتحرير الجنوب بعد 18 عاماً من المقاومة دون اتفاقية سلام، واقتصر نجاح الاجتياح على طرد الفصائل الفلسطينية وتوجيهها نحو اتفاقية "أوسلو" وتأسيس السلطة الفلسطينية الضعيفة غير المستقلة، والتي تعمل وفق الشروط والقرارات "الإسرائيلية"، مع انها لا تمتلك صواريخ دقيقة ولا باليستية، وتنسّق أمنياً مع العدو ضد المقاومين الفلسطينيين، ومع ذلك لم يشفع لها هذا التعاون واضطر رئيسها، لمناشدة الأمم المتحدة لحمايته مع الفلسطينيين في الضفة... ولو كحيوانات!
إن موضوع تسليم السلاح، طوعياً أو نزعه قسرياً، سيكون له نتائجه السياسية والوجودية لخمسين 50 عاماً قادمة وربما أكثر او اقل وبالتالي، يستوجب ان لا يتم تحميل طرف أو مسؤول شيعي وزر القرار والتزام الآخرين الصمت او الموافقة الضمنية ،مما سيفتح الأبواب للخلاف والاتهام، كما حصل بعد المشاركة في لجنة الإنقاذ الوطني وحتى لا يتم زرع قنبلة سياسية داخل الطائفة الشيعية ربما تنفجر أمنياً وتشتت وحدتها سلاحها الأقوى حتى الآن!
إن بقاء السلاح ،
هو مفتاح الأمان والبقاء للطائفة الشيعية خصوصاً والوطنيين اللبنانيين عموماً، ولذا ،فإننا ندعو لعقد اجتماع أو مؤتمر عام في المجلس الشيعي تحضره الثنائية والهيئات الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية ،لمناقشة موضوع السلاح الذي تملكه المقاومة، لكنه يقرّر مصير الطائفة والمشروع الوطني واستطراداً لبنان ولا يمكن لأحد أن يقرّر عنها.
يقرّر السلاح البقاء الديموغرافي للشيعة والمشاركة السياسية في النظام والأهم حفظ العقيدة والهوية الدينية والثقافية للشيعة ابتداء، وبعدها سيطال الأخوة السنّة والمسيحيين والدروز؛ وفق التجربة السورية وما تعرّض له العلويون والمسيحيون والدروز من سلطه التكفير الجديدة وما تعرّض له الشيعة على مستوى التهجير ومنعهم من إقامة الشعائر الدينية من عاشوراء او زيارة المقامات وهذا ما سيكون عليه وضع لبنان بعد تسليم السلاح دون ضمانات موثوقة ومن يطرح ضمانات أميركا والأمم المتحدة، تكذّبه وقائع الميدان بعد وقف النار وتؤكد دون اي شك ،أن لا ضمانات دولية ولا التزام بالمواثيق والعهود والاتفاقات.
وفق قانون التوحش والقتل الأميركي - "الإسرائيلي" - التكفيري: لا بقاء ولا أمان إلا للقوي... ولمن يملك السلاح.
