أقلام الثبات
عام 1979 أطاحت الثورة الإيرانية بالشاه محمد رضا بهلوي، وكانت تتألف من العديد من الأحزاب، بالإضافة الى رجال الدين الذين سيطروا لاحقاً وأسسوا "الجمهورية الإسلامية".
فرضت الولايات المتحدة والغرب عقوبات على إيران منذ الثمانينيات، وطبّق الأميركيون خلال التسعينات استراتيجية الاحتواء المزدوج، أي القيام باحتواء كل من إيران والعراق سوياً. لاحقاً، أدّت العقوبات، خصوصاً الأممية منها، والتي فرضت من قبل مجلس الامن ابتداءً من عام 2006، الى أزمات اقتصادية خانقة (تضخم، بطالة، تراجع العملة)، حيث عانى الشعب الإيراني من أزمات كبرى.
وبالرغم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وقيام العديد من التظاهرات في إيران منذ عام 2009 ولغاية عام 2022، لم ينجح الموساد في تأليب الشعب الإيراني على حكومته خلال الحرب الأخيرة، بل توحّد خلفها، ولم ينجح اسقاط النظام عبر ثورات شعبية تلاقي الأهداف الإسرائيلية بتغيير النظام.
ما هي أسباب ذلك؟
1- يشكّل الفرس الغالبية من الشعب الإيراني، وفي الوعي الجمعي يعتبر كثير من الفُرس أنفسهم ورثة حضارة عريقة أسهمت في بناء ركائز الثقافة والفكر والعلم في المنطقة، وهذا يولّد لديهم شعورًا بالفخر القومي، ويغذي نزعة تفوق حضاري مقارنة بجيرانهم.
2- فقدان قيادة موحدة للمعارضة تطالب بإسقاط النظام: يشكّل الانقسام السياسي في إيران أجنحة من ضمن النظام، بالرغم من أن عدداً من الطبقات، خصوصاً الشباب الجامعي، تطمح الى حياة مختلفة وضاقت ذرعاً بتأثير العقوبات الممتدة منذ زمن طويل.
3- في الاجتماع السياسي، هناك 3 كتل رئيسية في المجتمع الإيراني:
- القاعدة المحافظة، وهذه متمسكة بالنظام بشكل كبير، وتتكون من المتدينين ومجتمعات الأرياف (كما في كل الدول عادة).
- البرجوازية، والطبقات المتعلمة التي تتمركز في المدن الكبرى، والتي تميل إلى الإصلاح والتخلص من العقوبات. هؤلاء يشكلون قاعدة الاحتجاجات السلمية.
- مجموعات ناشطة، وطلبة، ونساء، وبعض المثقفين في الداخل والخارج. هذه الفئة تدعو إلى تغيير جذري واسقاط النظام، لكنها لا تمتلك قدرة على اسقاط النظام داخلياً، ومنها من امتنع عن انتقاد النظام خلال الحرب وأيد حكومته.
ختامًا، يتضح أن الحكم في إيران، ورغم العقوبات الدولية والضغوط الاقتصادية والتظاهرات المتكررة، استطاع الحفاظ على تماسكه بفعل مجموعة من العوامل البنيوية والاجتماعية والثقافية، كما أثبت انه قادر على استنزاف "إسرائيل" ودفعها الى طلب وقف النار. الفخر القومي المتجذر، والانقسام داخل المعارضة، وغياب قيادة موحدة قادرة على تجميع القوى الاحتجاجية، إلى جانب تركيبة المجتمع المركّبة، ساهمت جميعها في التفاف الشعب حول قيادته خلال الحرب.
وعليه، التغيير في إيران، والذي تجاوز الرهانات الخارجية على الانهيار السريع أو التحولات المفاجئة، قد يدفع أعداء إيران في الخارج على العمل على زرع الانشقاقات وتعميق الانقسام، وهو ما حذر منه الرئيس الإيراني الذي أشار الى محاولات لاستغلال الاختلافات داخل المجتمع الإيراني لكسر وحدة البلاد وإضعافها سياسياً.