أزمة العقل والرؤية في فكر "هيئة تحرير الشام" _ أمين أبوراشد

الخميس 12 حزيران , 2025 09:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

منذ فترة قريبة، تمَّ تعيين عبد الرحيم عطُّون في منصب المسؤول الاستشاري للشؤون الدينية في القصر الرئاسي السوري، وعطُّون هذا، هو الذي كان معروفاً في إدلب باسم "أبو عبد الله الشامي"، وكان المرجع الشرعي العام لهيئة تحرير الشام، ولديه كتاب بعنوان: "سلسلة اللطائف في مفهوم وأحكام الطوائف"، ويدعو فيه إلى قتل الأقليات واستخدام الشوكة معهم لإبادتهم، ومن ضمنهم أتباع الطوائف العلوية والإسماعيلية والمرشدية والدرزية والمسيحية والأيزيدية.

وإذ يرى صاحب الكتاب أنه لا موجب لقتال أبناء المذاهب السنية الأربعة ما لم يكونوا مسلحين، لأنهم قد ينضمون مع الوقت إلى الفكر السلفي الجهادي، فإنه أغفل تاريخ إسلام بلاد الشام الذي يمقت ويرفض كل فكر تكفيري.

الخلل في تقييم رؤية هيئة تحرير الشام للشعب السوري وتاريخه وثقافته وحضارته، يعاني منه الرئيس أحمد الشرع قبل أي عنصر من هذه الهيئة، وقد ذكرنا في مقالة سابقة نقلاً عن الصحفي والباحث اللبناني في شؤون الجماعات السلفية؛ نضال حمادة، المقيم في باريس، أنه يمتلك نسخة من رسالة "أبو محمد الجولاني" إلى أبي بكر البغدادي عام 2013، وهي تقع في خمسٍ وخمسين صفحة، اقترح فيها الجولاني على البغدادي وجوب البطش بالأقليات عبر القتل والتنكيل والتهجير، وعلى أساس هذه الرسالة أمر البغدادي بتعيينه أميراً للدولة الإسلامية في بلاد الشام.

وإذا كان الرئيس أحمد الشرع قد وضع تاريخ أبي محمد الجولاني خلف ظهره، وقرر الإطلالة بربطة عنق على الداخل والخارج، فإن التعيينات التي أجراها وما زال يجريها تظهره وكأنه ما زال أسير هيئة تحرير الشام، لا بل أسير "جبهة النصرة"، إذا ما اعتمدنا توثيق الانتهاكات والارتكابات لما يسمى "الأمن العام" بحق المجتمع السوري على مختلف تلاوينه، والذي بات يخرج بتظاهرات تدعو لإسقاط النظام وطرد هؤلاء "الأجانب" المُتخلِّفين الذين صدَّرتهم تركيا بعديدهم وعتادهم إلى الأراضي السورية، ولعل التحرر من الهيمنة التركية بات مطلوباً من الشرع كي يحرر تاريخه من عبء الجولاني.

على أية حال، نجحت "غزوة الجولاني" مع الأسف في تقسيم سورية، بانتظار تظهير الفيدرالية، وما محاولات تعديل الدستور المؤقت التي يعمل عليها الرئيس أحمد الشرع حالياً، سوى ترجمة لهذه الفدرالية على الورق والوثائق الرسمية، وإذا كانت منطقة الأكراد قد ترسَّخت في الشمال الشرقي، ومنطقة الدروز قد ارتسمت في الجنوب، فما زالت منطقة العلويين الساحلية تنتظر تنصيب "الوالي" عليها بعد عدوان "الباب العالي" عبر فصائل "الجيش الوطني" المدعوم تركياً، والمنطقة الوسطى من سوريا التي تشمل دمشق وحمص وحماه ذات الغالبية السنية، لن تصبر طويلاً على هيمنة "الأجانب"، الذين قد يتم نقلهم مبدئياً بصفة مؤقتة إلى منطقة حلب والشمال الغربي، إلى حين تصديرهم إلى الخارج عبر الحدود التركية التي دخلوا منها، إذا أراد الشرع مباشرة تنفيذ الشروط الخارجية لرفع العقوبات.

الغريب في سردية الأمور، غياب المعالجات السياسية على الجبهة الجنوبية، التي "شرَّعها" الشرع للعدو الصهيوني، وأهمل وما زال يهمل لغاية الآن التواصل مع قيادات السويداء، وتحديداً الشيخ حكمت الهجري المتمسك بالانتماء السوري في مواجهة مغريات "إسرائيلية" بالانفتاح على محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، والسماح للمواطنين الدروز السوريين بالعمل داخل الكيان المحتل، مما يحتِّم على الشرع مسارعة التواصل مع دروز السويداء أسوة بما فعل مع الأكراد وتوقيع وثيقة مماثلة تضمن حقوق الدروز، ويكون الشيخ الهجري دون سواه ممثلاً عنهم؛ كما كان مظلوم عبدي ممثل الأكراد، ما دام الشرع يهمل الدعوة إلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل لكل القوى السياسية ذات التلاوين الطائفية.

ومع عدم جدوى وعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتجميد العقوبات على سورية لمدة ستة أشهر، بانتظار تنفيذ الشرع للشروط الأميركية والغربية، عادت الرسائل الخارجية للورود إلى دمشق حول ضرورة التغيير الحكومي، واستبدال "حكومة من إرهابيين" بحكومة أكثر تمثيلاً، وهذا المطلب الخارجي هو أيضاً داخلي بإلحاح من الغالبية السنية التي لا ترى نفسها ممثَّلة بالحكومة الحالية، وعلى عاتق هذه الحكومة تقع مسؤولية "الإدارة الاتحادية" للفيدراليات، ولن تكون سوى ذات "غالبية سُنية شامية" تستعيد ثقة الداخل قبل الخارج بالمسار السياسي للدولة السورية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل