سلطة التعري - عدنان الساحلي

السبت 31 أيار , 2025 07:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
​يريد حكام لبنان الجدد تعريته من كل أسباب القوة، لتسليمه للمشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، عاجزاً عن قول كلمة لا؛ وصاغراً مثل الذين دفعوا خوة بآلاف مليارات الدولارات، لدونالد ترامب، تكفي لإشباع بطون كل العرب والمسلمين؛ ولبناء جيوش قادرة على حمايتهم من الخطر "الإسرائيلي" ومن البلطجة الأميركية. 

​ويتفق القسم الأكبر من اللبنانيين، على توصيف السلطة التي تدير بلدهم، بأنها "مجلس إدارة" مزرعة، عينها الخارج لتنفذ طلباته، وهي لا تدير دولة بأي حال، لأنها لا تملك من مواصفات الدولة شيئاً، إلا الظهور الإعلامي والتصريحات المزعجة، التي تضيف إلى معاناة اللبنانيين مشاهد هزلية بالصوت والصورة.

وتعزز السلطات اللبنانية هذه القناعة بغيابها شبه الكامل عن جميع واجباتها تجاه شعبها، في كل ما له علاقة بالسياسة والاقتصاد والمال والأمن والدفاع الوطني.

ولا يتوانى رموز هذه السلطة الجديدة، ربما لالتزامهم تجاه الدول التي أوصلتهم إلى المراكز التي يشغلونها، عن التعري الكامل كسلطة ووطن؛ والانبطاح أمام الأميركي و"الإسرائيلي"، وكذلك أمام سارقي ثروات شعوبهم العربية لإعطائها لدونالد ترامب، حفاظاً على عروشهم وأنظمتهم.

وبينما يؤكد حكام الكيان المجرم الذي يحتل فلسطين، كل يوم، نواياهم العدوانية والتوسعية تجاه كل ما يحيط بهم من دول عربية، بما فيها  كل فلسطين التي يغتصبونها، تؤكد الأنظمة التي يريد الأميركي الحاق لبنان بها، حقارتها وجبنها تجاه المذابح التي تجري بحق شعب فلسطين، وتستقوي بالقواعد الأميركية على شعوبها، مقابل "خوة" تدفعها تلك الأنظمة للأميركي وتبعاً "للإسرائيلي"، وهي بلغت هذا العام قرابة الخمسة آلاف مليار دولار (خمسة تريليونات) تسلمها دونالد ترامب خلال جولة الجباية التي قام بها مؤخراً على أنظمة الخليج.

وبيت القصيد في أصوات الببغاوات التي تنطلق بين الحين والآخر، مدعية حرصها على سيادة لبنان، هي اجترارها للكلام الأميركي عن حصرية السلاح بيد الدولة. ورفضها لوجود قرار الحرب والسلم خارج سلطة الدولة، متجاهلة أن قرار الحرب لم يكن يوماً في أيديها، بل هو قرار "إسرائيلي" يتخذه العدو ساعة يشاء، لكن مرادها هو سلاح المقاومة وليس مجابهة العدو.

وتتجاهل هذه الأصوات أنها لا تحصر أي شيء يفيد الشعب اللبناني بأيديها، وهي تتشارك مع الآخرين في كل واجباتها، بما في ذلك السيادة والقرار الوطني، فهل هناك من يدعي أن تكوين السلطة وتشكيل الحكومة اللبنانية كان قراراً لبنانيا معبراً عن رأي الشعب اللبناني، أم أنه كان إملاء أميركيا ممولاُ من ممولي دونالد ترامب العرب؟

وهل تقوم السلطة اللبنانية بواجباتها في حماية الأرض والشعب، أم أنها تتسول رواتب قواها العسكرية والأمنية، بدفعات شهرية مذلة من الخارج، ولا تتجرأ على تسليح جيشها، إلا بما يرميه لها الأميركي من خردة بقايا الحرب العالمية؛ وبما لا يشكل خطراً على "إسرائيل"، بل وتقبل بالأمر الأميركي بمنع استعمال أي سلاح أميركي لديها ضد العدوان "الإسرائيلي".

ولمن يتناسى، فإن السلطات اللبنانية تتشارك بشكل خجول مع مافيا أصحاب مولدات الطاقة، في تأمين الكهرباء والإنارة للبنانيين، وتتشارك بنسبة زهيدة مع أصحاب الصهاريج ومع دكاكين تكرير المياه في تأمين مياه الشرب ومياه الاستعمال للبنانيين، وتسلم رقاب أطفال اللبنانيين وجيوب أهاليهم لمافيا التعليم الخاص، التي تفرض الأقساط المدرسية والجامعية على هواها؛ فيما كل من مر على وزارة التربية من مسؤولين، متآمر على التعليم الرسمي، لأنه ببساطة صاحب مؤسسة تعليم خاص، أو ممثل لها بصفة وزير تربية.

ويتجاهل أهل السلطة حال اللبنانيين المأساوية، في طلبهم للطبابة والاستشفاء، فهم يذلون يومياً على أبواب المستشفيات الخاصة، ويدورون على أبواب الجمعيات الخيرية يتسولون مساعدتها لعلاج مريض أو لإجراء عملية جراحية تنقذ شخصاً على شفير الموت، فيما المستشفيات الحكومية كئيبة تشكو العوز وفقدان كل ما يلزمها لتقوم بمهامها.

ولا يمكن للبناني أن ينسى، أن حكامه تركوه فريسة لأصحاب المصارف، الذين استولوا على أمواله، فدينوا قسما منها للحكومات المتعاقبة بفوائد خيالية، ضاعفوا فيها ثرواتهم ؛ وهربوا القسم الآخر إلى الخارج، تنفيذاً لأمر عمليات أميركي قضى بتجفيف لبنان من العملات الصعبة، تماشياً مع قانون "قيصر"، الذي حاصر سورية لإسقاط نظامها السابق.

حتى الاعلام، تركته السلطات المتعاقبة، فريسة لأصحاب الأموال ولمرتزقة السفارات واجهزة الاستخبارات الأجنبية، فحولوه إلى سوق للرقيق يبيعون فيه ويشترون من سمعة وكرامة اللبنانيين.

فقط في مجال حماية لبنان من العدوان "الإسرائيلي" التوسعي، يرفض رموز سلطات لبنان الجديدة أن يشاركهم الشعب اللبناني، هذه المهمة، عبر أبنائه المقاومين. لأنهم ببساطة يريدون مواجهة النار "الإسرائيلية" بـ"دبلوماسية". ولأن مواجهة النار بالنار تتنافى مع مشيئة الذين جاؤوا بهم، فلبنان المقاوم يحرج عرب التطبيع ويعاكس مشاريع الصهيونية العالمية، التي تدير السياسة الأميركية. ولذلك يكثر المطالبون بنزع سلاح المقاومة من حديث عن "الأحضان" وعن العودة اليها، فأمنيتهم أن يكون لبنان ماخوراً وكباريه على شاطئ البحر، يبيع المتعة والشرف والكرامة والسيادة لمن يدفع أكثر.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل