عندما تكون المقاومة شعباً... لا تنظيماً _ د. نسيب حطيط

الأحد 25 أيار , 2025 11:36 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تشكّل المقاومة في لبنان حالة لستثنائية وفريدة على مستوى إطارها التنظيمي والقيادي، بخلاف بعض حركات المقاومة التي تتشكّل من نخبة منظمة لها هيكليّتها التنظيمية وقيادتها، ويؤيدها الجمهور العام بنسب متفاوتة دون أن يكون شريكاً في كل تفاصيلها وفعالياتها العسكرية او المدنية ،مما يسهّل على الأعداء حصار حركات المقاومة الحزبية، وفي بعض المرّات يستطيع الفصل بين المقاومين وشعبهم، وربما حمّلهم مسؤولية ما يتعرّضون له من القتل والتمير.. يقول الباحث والخبير "الإسرائيلي" في شؤون الشيعة؛ كلينتون بيلي: "إسرائيل كانت تتصرف قبل الغزو كأنه لم يكن هناك وجود للشيعة قرب الحدود، وكان هناك افتراض أن كل العرب سواء، لكن ما أن بدأ الشيعة يهاجمون قواتنا حتى استيقظت البلاد على حقيقة كونها تواجه شيئاً مختلفاً تماماً"!
يعيد الناس في الذكرى الثالثة والأربعين للاجتياح "الاسرائيلي" للبنان عام 1982 تثبيت منظومة "الشعب والمجتمع المقاوم" الذي تنبثق عنه مجموعات منظمة من المقاومين يمكن ان يشكّلوا حزباً او حركة او مجموعات مستقله دون ان يكونوا بديلاً عن الشعب المقاوم، وصولا ليكون الشعب المقاوم حامياً للمقاومين وداعما لهم بالمال وبالصوت وبالدعاء ،مما رسم علاقة استثنائية تبادلية وتكاملية، فيتكامل الموقف الشعبي المقاوم مع العمل العسكري والسياسي للمقاومة وتبادل مسؤولية الحماية وفق الظروف، فيقاتل المقاومون ويجمعون السلاح بتقنياته المختلفة والمتطوّرة، لحماية أهلهم وأرضهم، وعندما يتعرّض المقاومون للجراح والقتل يتقدم الشعب المقاوم لاحتضان المقاومين والدفاع عنهم ومنع حصارهم، فتصبح المقاومة شعباً يرابط في الساحات وعلى صناديق الاقتراع، وفي غرف الطوارئ للمستشفيات للتبرع بالدم، ويصمت المتضررون المُدمّرة بيوتهم، وكذلك عوائل الشهداء، ولا يرفعون صوتهم في وجه المقاومة ولا يحمّلوها مسؤولية ما تعرّضوا له رغم كل التحريض الإعلامي والحصار المالي والتنمّر والحقد الذي يتعرّضون له، ويقول أحد الضباط "الإسرائيليين": "لا نعرف ضد من نقاتل، ولا نعرف الى أية مجموعة ينتمون، فالهم الرئيسي لهم هو مهاجمتنا".
يكرّر الأميركيون والعرب ارتكاب أخطاء العدو "الإسرائيلي" في فهم "الشيعة" في لبنان، ويعتقدون أن بإمكانهم تطبيق خططهم، وإلزام الشيعة بالموافقة والقبول، كما يحصل مع بقية الدول العربية؛ حكاماً وشعوباً وأحزاباً وفصائل مقاومة، ويعتقدون ان المهل الزمنية التي يحدّدونها لتسليم السلاح او نزعه او القبول بالإملاءات الأمريكية على مستوى القوانين والقرارات الحكومية ستكون وفقً ما يريدون ويرغبون.
صحيحٌ أن المقاومة وأهلها يعيشون أوضاعاً صعبة وقاسية؛ أمنياً ومالياً وسياسياً، لكنهم أحفاد طائفة كان كل تاريخها مكتوب بالمظلومية والقتل والتهجير والإقصاء عن الحكم، وقُتل كل أئمتها وقادتها وعلمائها ،لكنها استمرت بالثبات على مبادئها وعقيدتها، ولم تستسلم ولن تستسلم، وربما يظن الأعداء ان قتل القادة يُنهي المقاومة، لكن الحقيقة ان قتل القادة يعطي حافزاً جديداً لاستمرارها، ويُشكل نقطه قوة لا نقطه ضعف، ويعتقدون أن نزع السلاح الثقيل من الصواريخ وغيرها يُنهي المقاومة، لكن الحقيقة التي أثبتها الميدان منذ العام 1982 يقول عكس ذلك ،فقد استطاعت البندقية الرشاشة والقنبلة اليدوية والعبوة الناسفة واعتصامات النساء والاطفال ان تحرّر الجنوب، وستعيد تحريره ثانية بإذن الله سبحانه وتعالى، وستعيد فرض شروطها.
شنّ الشعب والمجتمع و المقاوم أول هجوم مضاد مدني بسلاح "الصوت" في الانتخابات البلدية لتثبيت منظومة "المجتمع المقاوم" و"الطائفة المقاومة" ،لتأمين المظلة الشعبية للمقاومة ،حتى تشفى وتعود الى الثغور لحراسة أهلها. 
أرسل المجتمع المقاوم "للحاكم الإداري الأميركي للبنان" رسالته "الفرط - صوتية" أن المقاومة في لبنان ليست تنظيماً او قائداً فقط، بل هي شعبٌ لا يمكن هزيمته، مهما كانت الأثمان والتضحيات، ومهما طال الزمن.
في عيد المقاومة والتحرير: كل عام وأنتم أحرار وأرضكم محرّرة، ولن يضيع دم الشهداء، لا بالفساد (الوجه الآخر للاحتلال) ولا بالتنازلات ولا بالتطبيع.. وإن طالت الحرب التي لم تنته بعد!


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل