التشيّع الأميركي ــ عدنان الساحلي

الجمعة 23 أيار , 2025 02:53 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
سقط "التشيع الأميركي" في الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة، وكان ذلك رسالة قوية لكل من يتدخل في رسم حاضر ومستقبل لبنان، بأن الساعين لنشر وتوسيع النفوذ الأميركي، بين المسلمين الشيعة في لبنان، سقط مشروعهم في مناطق بعلبك الهرمل والبقاع؛ وقبله في ضواحي بيروت ومناطق الجبل، حيث يتواجد شيعة، وبالتالي، سيتم دفن هذا المشروع في مناطق الجنوب، غداً.
وتعبير "التشيّع الأميركي" ليس غريباً، فالولايات المتحدة الأميركية ورثت الاستعمارين القديمين الإنكليزي والفرنسي، بعد هزيمتهما في عدوانهما على مصر جمال عبد الناصر عام 1956. وهي تسعى من ذلك التاريخ وبأساليب مختلفة لإيجاد أرضية مؤيدة لها، بين شيعة لبنان، مستعملة سلاح التحريض ونشر الفتن، بين اللبنانيين عموماً وبين المسلمين سنة وشيعة خصوصاً. وقبل ذلك التاريخ، كانت سلطات الحكم المحسوبة على المسلمين الشيعة في البلاد العربية والإسلامية، على قلتها، إنكليزية وأميركية الولاء، خصوصاً في تركيبة النظام الشاهنشاهي الإيراني وبعض النخب الشيعية في العراق والخليج. 
كان طبيعياً أن يكون نظام الشاه في إيران إنكليزيا وأميركياً، فهو كان وكيلهم في المنطقة؛ وهم سبب بقائه في السلطة حيث أعادوه إليها، بعدما أطاح به محمد مصدق في خمسينيات القرن الماضي.
في موازاة ذلك، كانت بعض النخب الشيعية، التي ارتبطت بالتبعية للإنكليز والأميركيين، تغش جمهورها بالخلط بين التشيع وبين حلفائها الهاشميين، الذين جعلهم الإنكليز ملوكاً على شرق الأردن والعراق، فهؤلاء مسلمين سنة وإن كانوا هاشميين.
وهذا الغش، حاول مروجوه نشره في لبنان بين الجمهور الشيعي، الموالي بأغلبيته الساحقة في ذلك الوقت للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بعروبته التقدمية والثورية، حيث كان مؤيدو الرئيس كميل شمعون، المعروف بموالاته للإنكليز والأميركيين وبصداقته لشاه إيران وحكام العراق، يدعون الشيعة لتأييد ملك الأردن حسين لأنه "هاشمي"، بدلاً من تأييد عبد الناصر "السني".
كل هذا الغشّ واللعب على وعي المسلمين الشيعة سقط مع نجاح ثورة الإمام الخميني في إيران عام 1979، التي أطاحت بحكم الشاه؛ واعلنت أن الأميركي هو "الشيطان الأكبر"؛ وأن الكيان الصهيوني "غدة سرطانية لا بد من إزالتها"؛ وهو الكيان الدخيل الذي يحميه الأميركيون حالياً؛ وساهم الإنكليز بفعالية في إقامته على حساب فلسطين وشعبها. 
     والواقع أن ما قامت به ثورة الإمام الخميني ليس بدعة وليس غريباً عن تراث وقناعة ومزاج الجمهور الشيعي عامة، فهذا الجمهور تربى منذ مئات السنين على قول الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب "هيهات منا الذلة"؛ وكذلك قوله "القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة"، وعاش هذا الجمهور دائماً حالة كربلائية، كلما كان يواجه خطراً مصيرياً. والتاريخ يشهد على ذلك، في المصير الذي آلت اليه الدولة البويهية في إيران؛ والفاطمية في مصر وشمال افريقيا؛ ودولة الأدارسة في المغرب؛ وإمارة بني حمدان التي امتدت ما بين حلب والموصل الى اللاذقية وحمص؛ وإمارة بني عمار في طرابلس والمنية والضنية والجوار؛ ومركزها دار عمار وليس دير عمار. كلها دول وامارات كانت نهاياتها كربلائية. ثم ترى الأميركي ومن يتبعه، يطالبون بنزع سلاح المقاومة ويتناسون أن جمهور هذه المقاومة وبيئتها يتفاخرون بالقول: "عش يوماً حصاناً ولا تعش دهراً حماراً".  
لذلك وهذا أمر يثير عجب الجاهلين بالتاريخ وبطبائع الناس، يواجه المشروع الأميركي- الصهيوني-العربي الرسمي، استعصاء شيعياً في وجه المساعي الجارية لأسرلة المنطقة العربية ومن ثم تهويدها، عبر بدعة "الإبراهيمية"، فالمسلمون الشيعة يتفاخرون بأن الإمام على هو قاهر اليهود الذين حاربوا الدعوة الإسلامية منذ بدايتها، وهو قاتل أبطالهم، وهو الذي قال عنه النبي محمد عندما تقدم لقتال بطل اليهود مرحب: "لقد نزل الإيمان كله للكفر كله".  
       ومن عجائب ما يجري، هذا الصمت المريب على انخراط دول وشعوب عربية بالبدعة الصهيونية "الإبراهيمية"؛ باعتبارها ديناً يجمع كل الديانات، فيتسنى لهم قيادة المسلمين واتباع الديانات الأخرى في المنطقة، على الرغم من أن المسلمين يعرفون أن مصدر دينهم وهو القرآن الكريم ينص على أن "الدين عند الله الإسلام". ولذلك ترى المسلمين الشيعة في مقدمة رافضي "الإبراهيمية".
     ويتعدى الاستعصاء الشيعي على الانضواء في المشروع الأميركي، الجوانب السياسية والدينية، فالمتأمركون إما جهلة أو هم يتجاهلون، بأن المزاج الشيعي في لبنان، كنموذج، هو سابق في خياراته على وجود ما وصفه أتباع أميركا بـ "الهلال الشيعي"، أو "محور إيران". فأبناء الجنوب اللبناني خصوصاً والشيعة عموماً، كانوا في مقدمة الذين آزروا وناصروا ثورات الشعب الفلسطيني، رفضاً لتسليم فلسطين لليهود، منذ ما قبل ثورة 1936 وحتى الساعة. وكان السيد عبد الحسين شرف الدين رأس حربة في دعوة "العرب والمسلمين لنصرة فلسطين". والتاريخ يذكر ثورات أبناء الجنوب وعشائر الهرمل رفضاً للاستعمار الفرنسي ولتقسيم البلاد العربية.
والإنصاف يقول، ان الشيعة كانوا الأكثر جدية وتضحية في القتال ضد حكم كميل شمعون وضد حلف بغداد الأميركي. وكانوا الثقل العسكري في قتال القوى الوطنية ضد القوى الانعزالية في مختلف المراحل. كما أن البطل حسن موسى عبد الساتر، الذي انتزع علم فرنسا عن مبنى مجلس النواب اللبناني ووضع مكانه علم لبنان، هو شيعي من بعلبك. وقد استشهد برصاص جنود فرنسا السنغاليين.  
    ولمن خانته الذاكرة، فان السيد موسى الصدر عندما نهض بحراكه الشعبي، قاد تظاهرات تطالب بتحصين بلدات وقرى الجنوب وبتسليح سكانها لمواجهة الاعتداءات "الإسرائيلية"، ورفع السيد الصدر ذلك الشعار المهيب: " السلاح زينة الرجال". فهل هناك غباء أكثر من ظن ساذج أو مرتزق بأن اقتراع أهل المقاومة سيكون لغير السلاح المقاوم؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل