أقلام الثبات
استطاعت أميركا خديعة لبنان مرتين، أولهما خديعة الغاز في "كاريش"، حيث ربح العدو "الإسرائيلي" الغاز وترسيم الحدود البحرية، وربح لبنان التقاط الصور والبيانات، وخدعتنا أميركا مرة ثانية بوقف النار الذي أعطى لبنان حق الدفاع عن النفس في حال الاعتداء عليه، لكنه في الواقع كان وقفاً للنار من قبل المقاومة وتقييدها وإطلاق يد "إسرائيل" بقصف من تشاء واين تشاء وكيف تشاء، فصار لبنان ساحة مفتوحة مقيّدة بسلاسل "الاتفاق - الخديعة" والوهمي الذي تقتله "اسرائيل" كل يوم، ولا يوجد في غرفة عملياتها وقرارها السياسي، ومن الخطأ والتضليل القول بوجود اتفاق لوقف النار، بل قرار بمنع النار من لبنان باتجاه "اسرائيل" ومنع للرد، لتسهيل العدوان "الإسرائيلي" الذي استطاعت المقاومة إفشاله بقتالها طوال 66 يوماً، وإلحاق خسائر بالجيش "الاسرائيلي" وقصفاً للداخل "الإسرائيلي"، فكان وقف النار إنقاذاً للعدو وتاميناً لأمنه واستباحة لأمننا وكرامتنا.
لا زالت المقاومة تمارس مقاومة الصبر والحكمة والعقلانية والموضوعية، واختارت ان تخوض "حرب التضحية" فداءً عن أهلها، وقدّمت ما يقارب 500 شهيد وجريح في حرب التضحية التي بدأت بعد اعلان وقف النار" - الخديعة حتى الآن، وبعدما قدّمت اكثر من 20000 شهيد وجريح في حرب ال66 يوماً، وحوالي 1000 شهيد وجريح في حرب "الإسناد"، ولا زالت المقاومة صامدة في حروبها الثلاث، وستستمر في مرحلة "حرب التضحية" لاستعادة عافيتها وقدرتها على المواجهة واسترجاع قواعد الاشتباك والردع المتوازن، ولا خيار أمام المقاومة في هذا الوقت إلا خيار التضحية والصبر للأسباب التالية:
- تحالف القوى اللبنانية والدول الإقليمية ضمن التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" ضد حركات المقاومة ونزع سلاحها لإقامة "إسرائيل الكبرى" وتعميم اتفاقات "إبراهام" و"الديانة الإبراهيمية".
- تفكّك ساحات محور المقاومة، مما جعل ساحة لبنان مُستَفردة ووحيدة ويتيمة، يحتشد اللئام للثأر منها بسبب دورها المحوري في نصرة فلسطين وتسليحها ومنع سقوط سوريا ودعم العراق والقتال مع اليمن وحماية إيران والدفاع عنها منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل 40 عاما.
- الإصرار الأميركي - "الإسرائيلي" والعربي على القضاء على المقاومة في لبنان، ونزع سلاحها إما طوعاً بتسليمه - وهذا لن يكون - وإما بقصفه وتفجيره، لانتفاء القدرة على نزعه بالقوة، سواء عبر الحرب بين الجيش اللبناني والمقاومة (مع امتناع الجيش عن ارتكاب هذه الخطيئة)، وفي مرحلة ثالثة بالحرب البرية؛ من الجنوب بالجيش "الإسرائيلي"، ومن الشمال والشرق بالجماعات التكفيرية التي استلمت السلطة في سوريا.
- انقلاب الموقف الفلسطيني وانتقاله للعب دورٍ سلبي ضد المقاومة؛ بالشكل المباشر عبر السلطة الفلسطينية، او بشكل غير مباشر من بعض الفصائل الفلسطينية، حيث يشكل الموقف الفلسطيني بقبول نزع السلاح في الداخل والخارج عامل ضغط على المقاومة في لبنان، للقبول بتسليم سلاحها، او تبرير "نزعه" بقول ان الفلسطينيين (أصحاب القضية) قد تخلّوا عن سلاحهم واعترفوا "بإسرائيل" (سلطة ومقاومة)، وعدم تحرّك الفلسطينيين في الخارج لدعهم أهلهم في الداخل، وانحياز العرب وتركيا لدعم "إسرائيل"، مما يعطي الأطراف اللبنانية المتحالفة مع "اسرائيل" الحجّة والمبرّر - وفق رأيهم - للصراخ بوجه المقاومة وعتابها، وإظهار عدم صوابية موقفها بإصرارها على ان تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين!
يجب على قوى المقاومة مراجعة خططها، ليس على مستوى "الثنائية الشيعية"، بل على مستوى الطائفة الشيعية وقوى المقاومة الوطنية، لإقرار برنامج عمل سياسي وميداني للمقاومة العسكرية والمدنية، للتمكن من مواجهة مشروع الاجتثاث والقتل في ظل غياب الإسناد والنصرة من الخارج، وطعن الخناجر في الداخل، حتى لا تمتد "حرب التضحية" التي تخوضها المقاومة وأهلها الآن عشر سنوات قادمة، مع وجوب حفظ الثوابت العقائدية والسياسية المتمثلة بعدم تسليم السلاح وعدم الاعتراف "بإسرائيل" أو التطبيع معها، وتعديل في الدور والمسؤوليات، وأولها فك الارتباط بالساحات الخارجية ميدانياً وعسكرياً، وحصر دور السلاح والمقاومة بالدفاع عن لبنان وأهله، وهذا أول الواجبات الشرعية بعدما صرنا وحيدين في ساحة القتال ولا نستطيع إنقاذ أحد (بسبب جراحنا)، ولا يريد أحدٌ إنقاذنا او دعمنا، بالتلازم مع استمرار العدو بقتلنا وحصارنا حتى الموت.
