أحمد الشرع.. شرعية دولة من ورق قوامها دفتر وقلم _ أمين أبوراشد

الخميس 22 أيار , 2025 08:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

حَرِص الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، عند استدعائه الى السعودية لمقابلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن يبدو كما التلميذ الشاطر، وحمل الدفتر والقلم لتدوين الأوامر والشروط التي كان يمليها عليه ترامب وهو يخاطبه باسمه الأول "أحمد"، مع توجيه السبابة نحوه لمزيد من التوجيه، وسط ابتسامة الرضا من الوسيط وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي كَفِل "أحمد" - بصفته وليّ أمره - بأنه "مطيع وعاقل وسيسمع الكلام".

قنوات التواصل بين الحلقة الضيقة لولي العهد السعودي ونظام الشرع، سبقت تواصل الآخرين بكثير، في محاولة من المملكة لجذب "الجزء التركي" من شخص أحمد الشرع، بما يحمل من ثقافة "الأخونة" وما اختزن قبلها من إرث القاعدة ومدرسة داعش، إضافة الى كبح جماح الشرع عن الهرولة نحو "الأسرلة"، في ما يشبه التطبيع المنفرد الذي ربطت المملكة شروطه بقرار حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته.   

وساطة السعودية لجمع الرئيس الشرع بالرئيس ترامب ليست يتيمة، بل أتت ضمن سياقات عدة لتدجين سوريا ضمن مبدأ ترامب القائل: "سنستخدم قوتنا لفرض السلام"، وجرت فعلاً لقاءات عدة بين مسؤولين سوريين و"إسرائيليين"، أحدها في القنيطرة، والثاني الأكثر أهمية حصل في أذربيجان؛ وفق ما ذكرت شبكة CNN.

المحادثات التي جرت في أذربيجان حضرها رئيس مديرية العمليات في الجيش "الإسرائيلي"؛ اللواء عوديد باسيوك، الذي التقى بممثلي الحكومة السورية بحضور مسؤولين أتراك، دون كشف المصدر عن المواضيع التي جرت مناقشتها في اللقاء، الذي كانت القناة 12 "الإسرائيلية" أول من أورد الخبر عن حصوله.

ورغم الكتمان الذي أحاط بلقائيّ القنيطرة وأذربيجان، فقد اعترف الرئيس أحمد الشرع في وقت سابق من هذا الشهر، عبر مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة الشرع إلى باريس، أن دمشق تجري مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء مع تل أبيب، في محاولة "لامتصاص الوضع ومنع فقدان السيطرة"، في ظل الانتهاك "الإسرائيلي" المتواصل لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974، واعتداءاتها المتصاعدة على سورية.

هنا يبرز التباين الأميركي السوري، لأن ترامب طلب من الشرع مباشرة إجراءات التطبيع مع "إسرائيل"، كأحد شروط رفع العقوبات عن سورية، والشرع دستورياً لا يستطيع ذلك، كونه رئيس مؤقت وليس من حقه التوقيع على معاهدات دولية، خصوصاً في عدم وجود مؤسسة مجلس الشعب، ولذلك يطرح الشرع مسألة إعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك للعام 1974، وبقاء هضبة الجولان تحت الاحتلال.

هنا لا بد من التوضيح، أن الرئيس ترامب أعلن من السعودية تجميد العقوبات على سورية في حال نفذت الشروط الأميركية، وليس إلغاء هذه العقوبات، لأن الأمر من صلاحيات الكونغرس، وعلى الرئيس مراسلة الكونغرس وشرح حيثيات طلبه برفع العقوبات، وتأكيد انتفاء الأسباب التي دفعت الكونغرس لمثل هذا القرار في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.

من ناحيته، فإن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع مُلزم بتكوين "مجلس شعب"، سواء بالانتخاب - وهذا مستحيل في هذه الظروف - أو بالتعيين، وهذا أيضاًِ مستحيل، لأنه يستلزم مؤتمراً وطنياً شاملاً، مغايراً لمسرحية المؤتمر الوطني السابق الذي رفضه الأكراد والدروز، ولم يرضَ عنه أبناء الطائفة السنية، ولا رضوا بالحكومة الحالية التي تدَّعي تمثيلهم.  

في الخلاصة، لا يكفي الرئيس الشرع أنه التقى الرئيس ترامب، وأنه دوَّن الإملاءات الأميركية بالقلم والدفتر، لأن ترامب ليس على عجلة من أمره؛ كما الشرع الذي يتوسَّل رفع العقوبات، فيما تنفيذ الشروط الأميركية أمامه عقبات، أهمها وأخطرها: التطبيع مع "إسرائيل"، وطرد "الإرهابيين" الأجانب والفلسطينيين، ومساعدة الولايات المتحدة في منع عودة ظهور تنظيم "داعش".

وإذ يواجه الشرع الاحتلال التركي في الشمال، و"الإسرائيلي" في الجنوب، مع دويلة كردية حتمية في الشمال الشرقي، ودرزية في الجنوب الغربي، وكيان علوي مجهول المصير في الساحل، فهو مُطالب قبل كل شيء بترتيب وضعه الداخلي قبل مخاطبة الخارج، وتحديد شكل سورية الجديدة، وتكوين مجلس شعب وحكومة جامعة، وعقد مؤتمر وطني مفتوح لا تنتهي جلساته سوى بانتهاء التباينات السياسية بين الأطراف السورية، وإلا فالحرب الأهلية قادمة على سورية عند أول طلقة مع "الأجانب"، وقد يكون الشرع لم يسجل ذلك بالدفتر والقلم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل