أقلام الثبات
"أضع بطاقتي الحزبية خارج مدخل بلدتي، وأحمل هوية الانتماء إلى ترابها وأهلها وأنتخب من هُم النُخبة، ولا أهتم للتصنيف العائلي ولا الاختلاف الحزبي، لأن خياري هو في البحث عن خيرة الناس ودعمهم، وأبناء الأصول هم تربية بيوتهم، وأختار خلف العازل أو بدونه من هُم أهل الكفاءة والثقة والسمعة التي تلتحف نقاء الثلج".
هذا مجرد رأي، قد يوافقه كثيرون، وقد يرفضه مَن هم أسرى القيد العائلي الضيق والقضبان الحزبية، لكن ماذا لو دمجنا الهوية العائلية والسيرة الذاتية بالبطاقة الحزبية، وأوصلنا على سواعدنا وأكتافنا ورؤوسنا مَن هُم تيجان من غار تُرفع بهم الرؤوس وتشمخ الجباه؟
لا يمكن أن ننكر دور العائلات التي تحتضن الطاقات، ولا دور الأحزاب كمدارس سياسية ووطنية، لكننا نخطئ متى فاضلنا بين مرشح وآخر على أساس عائلي بحت، أو بين مرشح وآخر على أساس حزبي، دون أن نقرأ على الأقل سيرته الذاتية وتقييم جدوى السعي إلى اختياره لإدارة شؤون كل بلدة ومدينة، خصوصاً أننا على أعتاب لامركزية إدارية تجعل من سلطة المجلس البلدي المرجع الأول والمباشر للمواطن، ما يغنيه عن الزحف على أدراج النافذين في السلطة المركزية.
ويكفي المواطن اللبناني بعد الجولات الانتخابية البلدية والاختيارية في محافظات جبل لبنان والشمال وبيروت والبقاع، أن يتحرر من القيد العائلي والسجن الحزبي لتحسين خياراته، والبداية يجب أن تكون من قراءة تكويعات الأحزاب على الأرض، بحيث تتحالف في مكان، وتتعارك في مكان، وعندما تعجز عن التحالف والتعارك تقول: البلديات مسألة إنمائية وليست سياسية وتركناها للعائلات في كل بلدة، وكأن البلدات بأهلها وقرارها ملك آبائهم أو إرثاً عنهم.
كذب على المكشوف ودون حياء، ما فعلته بعض الأحزاب والزعامات في لبنان لخوض الانتخابات البلدية والاختياريةف، وهي في تهميش الطاقات الشبابية الواعدة، ومصادرة قرار الناخبين تحت عناوين ملوَّنة بكل أشكال الدجل.
نأخذ نماذجاً متناقضة، وعلى سبيل المثال انتخابات بلدية جونية، بحيث حصلت المحاصصة بين النائب نعمت افرام، على أن يكون شقيقه رئيساً للبلدية، والنائب فريد الخازن على أن يكون شقيقه نائباً للرئيس، وتحالف الاثنان مع القوات والكتائب ومنصور البون مقابل منحهم مقاعدَ، وأعلنوا في حملتهم الانتخابية أن لا محاصصة في اللائحة!
في طرابلس، كان التحالف الغريب بين النواب فيصل كرامي وأشرف ريفي وعبد الكريم كبارة رغم التباعد السياسي، بمواجهة قاسية مع النائب إيهاب مطر، الذي قطف نصف المجلس البلدي وأثبت أنه أقوى من الثلاثة مجتمعين، وكذلك زغرتا التي كانت معركة كسر العظم ونشر الغسيل من أجل زعامة بيت فرنجية وبيت معوض.
وفي زحلة، احتارت ميريام سكاف في أمرها؛ كما في كل انتخابات، وهي ليست تملك من مقدرات الزعامة سوى إرث بيت سكاف، ونسجت تحالفات متناقضة، مع التيار وسيزار معلوف في البداية، ثم مع القوات التي "طفشتها" بهيمنتها الحزبية، ثم التحالف مع أسعد زغيب، وأربكت الشارع الانتخابي لتنتهي هي وأسعد زغيب، وتفوز القوات بكامل مدينة زحلة، وبدت الجماهير الناخبة وكأنها في نظر بيوتات الزعامات قطعاناً خاضعة خانعة قابلة للتجيير المجاني، لا بل ألعوبة بين أيدي اللاعبين.
وحتى في البلدات التي حصل توافق على تزكية بلدياتها، خصوصاً في مناطق "الثنائي" والبلدات التي باتت مدمرة وغير قادرة على الانتخاب، فإن إرادة الجماهير الناخبة كانت مسلوبة من الأحزاب وهمومها في وادٍ آخر.
في الخلاصة، لا الهيمنة الحزبية كافية لمحاكاة واقع الناس، ولا العنصرية العائلية تضمن استدامة التوافق، ولأن أصحاب الكفاءات يتوفرون في الحزب والعائلة، شهدنا تزكية في بعض البلدات لأشخاص مثاليين يُراهن عليهم في إدارة أي شأن عام، ومع هؤلاء تبنى البلديات والسلطات المحلية وكفى لبنان صراعات حزبية ومناكفات عائلية، وليكن التنافس بين أصحاب الكفاءات والسيرة الذاتية الطيبة إذا كنا نطمح للامركزية إدارية ناجحة.