كميل شمعون حليف الشاه .. عندما كانت إيران حليفة "إسرائيل" مرحّباً بها في بيروت

الجمعة 16 أيار , 2025 06:45 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

في زمن تتصدر فيه عبارات السيادة ومكافحة "النفوذ الإيراني" خطابات فريق سياسي لبناني معروف بولائه المطلق لمحور واشنطن – الرياض – تل أبيب، لا بد من التذكير بفترة كانت فيها طهران تحظى بحفاوة غير مسبوقة في بيروت، لا بل كانت تُستقبل كحليف موثوق من أقطاب اليمين اللبناني – وعلى رأسهم كميل شمعون، أيقونة ما يُسمى بـ "الاستقلالية" اليوم.

مفارقة يندى لها الجبين: من يتهم إيران اليوم بأنها تتدخل في لبنان، هو نفسه من سبق واستنجد بها، وتلقى منها ومن حليفتها إسرائيل السلاح والمال والغطاء السياسي.

لم تكن العلاقة الإيرانية مع لبنان بدعة ابتدعتها الجمهورية الإسلامية بعد انتصار الثورة عام 1979. بل كان التدخل الإيراني، تحديداً في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، مركّباً ومعقداً، ويتقاطع عضوياً مع المشروع الغربي-الإسرائيلي في المنطقة. ففي خمسينيات القرن الماضي، التقت مصالح الشاه مع أهداف كميل شمعون، الرئيس اللبناني حينها، على قاعدة معاداة القومية العربية التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر، وكان لبنان أحد أهم ساحات التصادم السياسي بين القوى التقدمية والمحاور الرجعية.

في عام 1957، توثقت العلاقة بين شمعون وطهران عقب لقائه مع الشاه، حيث اتفق الطرفان على ما سُمّي زوراً بـ"مكافحة التدخل الأجنبي" – في وقت كان كلاهما يتلقى دعماً مكثفاً من الغرب.

السذاجة في هذا الخطاب لا تغفر، خصوصاً أن التحالف المعلن جمع الـ «سافاك» (جهاز المخابرات الإيراني سيئ الصيت) مع الـ «موساد» والاستخبارات التركية والأميركية. وللمفارقة، كانت بيروت إحدى أبرز ساحات عمليات هذا التحالف.

كميل شمعون، الذي يسوّقه البعض اليوم كرمزٍ للسيادة، لم يكتفِ بطلب السلاح من طهران، بل سعى بالتوازي للحصول عليه من إسرائيل أيضاً. وتشير الوثائق إلى أن أسلحة غنمها الإسرائيليون من العدوان الثلاثي على مصر، جرى تهريبها إلى لبنان عبر إيران، ليستخدمها شمعون في مواجهة خصومه الوطنيين. هذا هو بطل السيادة كما يقدمه لنا "القوات" وجماعة السفارة.

ليس هذا فحسب، بل لعبت إيران دوراً مباشراً في تمويل الماكينات الانتخابية للقوى الانعزالية. ففي انتخابات عام 1960، ضخّت الـ «سافاك» مبالغ وصلت إلى 330 ألف دولار – رقم ضخم جداً في زمنه – لدعم الكتائب والكتلة الوطنية، وقُدّم لكميل شمعون شخصياً مبلغ 50 ألف دولار نقداً، بحسب ما يورده الباحث عباس ويليام سامي. أما تبرير هذا الدعم، فكان بحسب الشاه "ضرورة استئصال النفوذ الناصري في لبنان".

اليوم، يتصدر سمير جعجع، وريث الانعزال الطائفي المسلّح، مشهد الهجوم على إيران. لكن جعجع نفسه ينتمي إلى منظومة لطالما شرّعت الأبواب لطهران عندما كانت شاهنشاهية، موالية لإسرائيل، ومعادية للقضايا العربية.

ما تغيّر فقط هو أن إيران بعد 1979، اختارت الانحياز لفلسطين، ودعمت المقاومة في لبنان. وهذا بالتحديد ما لا يستطيع فريق واشنطن-الرياض أن يغفره لها.

المشكلة مع إيران ليست "تدخلاً" مزعوماً، بل موقعها السياسي وموقفها الاستراتيجي. فحين كانت تتآمر على عبد الناصر، وتموّل شبكات الصحف المعادية للقومية العربية، لم ينبس أحد ببنت شفة. بل كانت صحف اليمين اللبناني، التي يدافع عنها اليوم إعلام المحور الأميركي، تروّج للشاه كزعيم العالم الإسلامي. وحين كان عملاء الـ «سافاك» يعقدون اجتماعات شهرية في بيروت مع فلول النظام الملكي العراقي، لم تخرج دعوة واحدة لإغلاق أبواب البلد بوجه "النفوذ الإيراني".

هذا النفاق السياسي لا يُختصر في الماضي فقط، بل يمتد إلى الحاضر. فالفريق نفسه الذي هاجم المقاومة بزعم ارتباطها بإيران، لا يرى حرجاً في تلقّي التمويل من السعودية، واحتضان السفير الأميركي في كل المناسبات، والسكوت عن التدخل الإسرائيلي الأمني المتواصل في الجنوب اللبناني. وأما الادّعاء بالحرص على السيادة، فليس سوى ورقة تين تغطي مشروعاً متكاملاً لتطويع لبنان في خدمة أمن إسرائيل.

المدهش أن من يرفع اليوم شعار "لبنان أولاً"، كان نفسه بالأمس ينسّق مع شاه طهران، ويستجدي مساعداته. ومن كان يعتبر نفسه حامي "المسيحيين" في لبنان، لم يجد غضاضة في فتح خطوط التعاون مع دولة إسلامية ملكية لمجرّد أنها كانت على خصام مع عبد الناصر.

التاريخ لا يُنسى. من أراد محاكمة علاقة طهران مع بيروت، عليه أولاً أن يراجع سجل طهران في زمن الشاه، ويرى من كان أول المرحّبين بها. فإيران الجمهورية دعمت المقاومة وحررت الأرض. أما إيران الشاه، فدعمت الطغيان والتقسيم والفتن، وكان أول حلفائها في لبنان هم من يصيحون اليوم ضدها.

المشكلة ليست في إيران، بل في من يعارضها لأنّها لا تخدم المشروع الإسرائيلي.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل