أقلام الثبات
في أول تعليقٍ له بعد لقائه به في الرياض، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الرئيس السوري أحمد الشرع: قائد حقيقي وشاب جذاب، ومقاتل له ماضٍ قوي جداً وهو مذهل، وسوريا ستنضم الى اتفاقية أبراهام.
مقدمة إنشائية، دون الدخول في شرح الشروط الأميركية القاسية لرفع العقوبات عن سوريا، كتب ترامب الخاتمة وأومأ الشرع برأسه إيجاباً للتطبيع.
والرئيس ترامب اتخذ قرار رفع العقوبات عن سوريا من الرياض، كمكافأة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي كان قد أجرى مكالمة هاتفية قبل ساعات من وصول ترامب إلى المملكة مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي استُدعي لاحقاً إلى الرياض، وكان اللقاء الثلاثي الذي ضمّه الى بن سلمان وترامب لنحو 45 دقيقة، وانضم إلى المجتمعين عبر الهاتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الترحيب العربي والدولي بقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا كان متوقعاً، كون هذه العقوبات أصابت الشعب السوري باقتصاده ونمط معيشته دون أن يكون لها التأثير البارز لا على نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ولا على نظام الشرع الحالي، لكن يبدو أن رفع العقوبات عن سوريا رافقته شروط أميركية قاسية، هي بحد ذاتها رفعت مستوى العقوبات على الرئيس أحمد الشرع.
ولعل أولى هذه العقوبات التي سيواجهها الشرع، هي فرض ترامب "الطلاق البائن" بين النظام السوري الحالي و"الأجانب" بمختلف جنسياتهم، وإخراجهم من سوريا، وليس أمام الشرع والفصائل المتحالفة معه سوى قتالهم وإعادتهم إلى بلدانهم عبر تركيا، لأنها كانت ممر دخولهم إلى سوريا، ولا يُمكن لأردوغان رفض استقبالهم في تركيا، لأن الحدود الأردنية والعراقية واللبنانية مغلقة بوجوههم، ولكل دولة ظروفها، ومشاركة أردوغان في المحادثات هاتفياً، جاءت بصفته شريك الشرع في "إرث الأسد"، وهيمنته بحكم الواقع على الأراضي السورية - من محافظة حلب حتى حدود حمص - يبدو أنها جزء من "الإرث"، لكن لهذا الإرث أثمانه الدامية، خصوصاً إذا انقلب الشرع وأردوغان على هؤلاء الأجانب ودفعا بهم للتحالف مع "داعش".
بضعة عشر بنداً، هي شروط ترامب للبدء بتنفيذ رفع عقوبات لمدة ستة أشهر، بعد موافقة الكونغرس وحقه في مراقبة التنفيذ، لكن الحق يُقال، تم حشر الشرع في زاوية قاتلة؛ لو افترضنا أنه رجل سيادي يسعى لتحرير وتوحيد بلاده وشعبه، لأنه لن يعرف من أين البداية ولا نقطة الانطلاق، لأن الوضع على الأرض قد ارتسم منذ سقوط المحافظات السورية، وسقوط الشرع في مستنقع "الجولاني" عبر أحادية السلطة السياسية والعسكرية والأمنية، وحصل ما قد حصل في الساحل العلوي والجنوب الدرزي، ما لا يُسرّ الطائفة السُّنية المؤتمَنة على تاريخ إسلام بلاد الشام وسماحة احتضان كل الطوائف.
وإذ نجد أن الرئيس الشرع ملزم حكماً بمباشرة تأسيس دولة، فإن إقالة حكومة "هيئة تحرير الشام" هي البداية، وإن مؤتمراً وطنياً عاجلاً يجمعه بقيادات "قسد" والعلويين والدروز، وشخصيات من باقي الأقليات مع النخبة السُّنية المرموقة هو بداية الحل، مع تشكيل حكومة "محاصصة مناطقية"، بحيث تشعر كل المكونات أنها شريكة في السلطة، مع ضرورة استدعاء كافة ضباط وعناصر الجيش السوري، وإجراء تسوية لأوضاعهم، وإلحاقهم بوزارة الدفاع، لحفظ الأمن الداخلي على الأقل، والحلول مكان الأجانب من الأوزبك والإيغور والشيشان.
وسوريا باتت دولة فيدرالية، سواء رضي ترامب أم لم يرضَ الشرع، و"دولة الأكراد" هي الإقليم الأول من الاتحاد الفيدرالي، وإقليم الجنوب هو الثاني بسلطة محلية درزية، سواء حصل التطبيع مع العدو الصهيوني أو ذهب الشرع إلى خيار "فض الاشتباك" الموقع عام 1974، ليبقى الساحل على لائحة الانتظار الدولية، لُقمَةً مشتركة للروس والأميركيين، لأن التركي قد التهم الشمال براً وبحراً ونفطاً وغازاً، والى دولة "مفدرلة" يجب أن يسعى إليها الشرع، إذا سمحت له الظروف الأمنية في صراعه مع الأجانب إلى إخراجهم من سوريا، مع دفع الضريبة اللازمة للأتراك.