مقام الصبر...أحوال الصالحين في هذا المقام

الإثنين 12 أيار , 2025 03:22 توقيت بيروت تصوّف

الثبات-تصوف

تحقق الصالحين بالصبر ودعوتهم إليه:

تتبع الصحابة رضوان الله عليهم أثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وورثوا عنه الصبر جادّين في نشر الإسلام، بإيمان لا يعرف اليأس، وعزيمة لا تعرف الخور، وثبات لا يتطرق إليه الوهن

 ثم أخذ التابعون عنهم هذه الروح الإيمانية الصابرة، وهكذا انتقلت هذه الروح في كل عصر وزمان إلى يومنا هذا، قال عليه الصلاة والسّلام: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)) 

قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما مات ولده الصالح: إن الله أحب قبضه، وإني أعوذ بالله أن تكون لي محبة في شيء من الأمور يخالف محبة الله

 ومن أروع الصبر ما وقع للإمام مالك رضي الله عنه حين لدغته عقرب - وهو يحدّث - ستّ عشرة مرة، فصار يصفرّ ويتلوّى حتى تم المجلس، ولم يقطع كلامه تعظيما لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم  

ودخل ذو النون المصري على مريض يعوده، فبينما كان يكلمه أنّ أنّة، فقال له ذو النون:  ليس بصادق في حبه من لم يصبر على ضربه، فقال المريض: بل ليس بصادق في حبه من لم يتلذذ بضربه

وكان ابن شبرمة إذا نزل به بلاء قال: سحابة ثم تنقشع

وللصوفية في الصبر كلام عجيب، ومنطق طريف، فقد سئل الشبلي عن الصبر فتمثل بقوله: صابر الصبر فاستغاث به الص‍بر فصاح المحب بالصبر صبرا

فلله درّ الصوفية، لقد تعرّضوا لرضوان الله الأكبر في ظلال الصبر، وانطبق عليهم وصف الله تعالى في قوله: {الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُو إِنّا لله وإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}  فهم لله وإلى الله، ولذا كانوا جديرين بأن يوفيهم ربهم أجرهم بغير حساب، ولنعم أجر الصابرين: {أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}  إن مثلهم الأعلى، وقدوتهم في الصبر هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي تعرض لصنوف الابتلاء وشتى المحن؛ فلم يزدد إلا صبرا وثباتا، وهذه سنة الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسّلام. قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ اَلرُّسُلِ}  ولقد أوصاه الله تعالى بتحمل مشاق الدعوة وأعباء الرسالة، والصبر على أذى المشركين بقوله: {واِصْبِرْ وما صَبْرُكَ إِلّا بِالله ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ول تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ}  

الخلاصة:

إن الصبر صفة الأنبياء، وحلية الأصفياء، ومفتاح الخيرات، وسبيل السالكين إلى الله تعالى؛ لا يستغني السالك عنه في أية مرحلة من مراحل سيره، إذ لكل مقام صبر يناسبه

قال ابن عجيبة رحمه الله تعالى: الصبر حبس القلب على حكم الرب

فصبر العامة: حبس القلب على مشاق الطاعات ورفض المخالفات

وصبر الخاصة: حبس النفس على الرياضات والمجاهدات، وارتكاب الأهوال في سلوك طريق الأحوال مع مراقبة القلب في دوام الحضور، وطلب رفع الستور

وصبر خاصة الخاصة: حبس الروح والسر في حضرة المشاهدات والمعاينات، أو دوام النظرة والعكوف في الحضرة

وأخيرا فهذه الصفات الثلاث: الصدق والإخلاص والصبر، هي أركان السير إلى الله تعالى؛ من لم يبن عليها سيره وسلوكه فهو مقطوع ولو زعم أنه موصول، وواقف ولو زعم أنه سائر وحقيقة الإخلاص توحيد المطلوب، كما أن حقيقة الصدق توحيد الطلب، والصبر على ذلك هو عين الكمال.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل