الثبات- تصوف
تعريف الزهد:
قال ابن الجلاّء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها
وقيل: الزهد عزوف النفس عن الدنيا بلا تكليف
وقال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: الزهد استصغار الدنيا ومحو آثاره من القلب
وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: الزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد، وهذا زهد العارفين، وأعلى منه زهد المقربين فيما سوى الله تعالى من دنيا وجنة وغيرهما، إذ ليس لصاحب هذا الزهد إلا الوصول إلى الله تعالى والقرب منه
فالزهد تفريغ القلب من حب الدنيا وشهواتها، وامتلاؤه بحب الله ومعرفته وعلى قدر تخلص القلب من تعلقاته بزخارف الدنيا ومشاغلها يزداد لله تعالى حبا وله توجها ومراقبة ومعرفة، ولهذا اعتبر العارفون الزهد وسيلة للوصول إلى الله تعالى، وشرطا لنيل حبه ورضاه، وليس غاية مقصودة لذاته
مشروعية الزهد:
نفى بعضهم وجود الزهد في الإسلام نفيا قاطعا، واعتبر الزهد بدعة دخيلة على الدين، تسربت إليه عن طريق الرهبنة النصرانية أو النسك الأعجمي، ولا شك أن موقفهم هذا تسرّع في الحكم مع جهل بحقيقة الإسلام
فلو رجع هؤلاء المنكرون إلى أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لوجدوا أنه عليه الصلاة والسّلام يدعو إلى الزهد صراحة، ويعتبر الزهد وسيلة لنيل محبة الله تعالى
فقد روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس قال له: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيم في أيدي الناس يحبوك))
ثم إن كل مسلم حين يتصفح كتاب الله تعالى، يجد كثيرا من الآيات الكريمة تصغّر من شأن الدنيا وتبين حقارتها وسرعة زوالها، وانقضاء نعيمها، وأنها دار الغرور، وفتنة الغافلين؛ ومقصود الحق من ذلك أن يزهّد الناس فيها بإخراج حبها من قلوبهم حتى لا تشغلهم عما خلقوا له من معرفة الله تعالى وإقامة دينه، قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا اَلنّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ اَلدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ}
وقال أيضا: {وما هذِهِ الْحَياةُ اَلدُّنْيا إِلّا لَهْوٌ ولَعِبٌ وإِنَّ اَلدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}
وقال تعالى: {الْمالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ اَلدُّنْي والْباقِياتُ اَلصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وخَيْرٌ أَمَلًا} وهكذا سائر الآيات الكريمة التي تضرب على هذا الوتر وترمي إلى هذا الهدف العظيم