خاص الثبات
مع كل محطة انتخابية، تتكشف حقيقة الخريطة السياسية في لبنان بعيداً عن الضجيج الإعلامي والتصريحات الشعبوية.
وها هي انتخابات جبل لبنان البلدية والاختيارية تأتي لتوجه صفعة مدوّية لكل من بنى أوهامه على تراجع حزب الله وانهيار حلفائه.
منذ أسابيع خرج علينا مسؤول الإعلام في حزب "القوات اللبنانية"، شارل جبور، بتصريحات لا تشبه إلا ما تمثّله القوات: خطاب حقد وعداء أعمى. تحدّث عن "هزائم" لحزب الله في السياسة والعسكر، وكأنّه يقرأ من كتيّب أملته عليه بعض السفارات، لا من واقع لبناني ملموس.
لكنّ الانتخابات البلدية قالت كلمتها بوضوح. في كل بلدة فُرضت فيها المعركة، كان النصر حليف الثنائ الوطني حزب الله وحركة أمل. فهل هذه نتيجة طرف مهزوم؟ أم هي شهادة ناطقة على ثقة الناس بمن يثبت حضوره في الميدان لا في البيانات الصحافية؟
بينما كانت "القوات" تراهن على الدعم الخليجي والأميركي، وتنتظر نتائج مغامرات إسرائيل العسكرية، كان حزب الله يعمّق حضوره بين الناس، يبني تحالفات، ويكسب ثقة الشارع، ليس بالتحريض الطائفي ولا بالشعارات الفارغة، بل بالثبات والمواقف السيادية.
الوقائع على الأرض تفضح هشاشة الخطاب القواتي الذي يحاول احتكار تمثيل المسيحيين عبر لغة التخوين والتطرف. لكنّ المسيحيين، كما سائر اللبنانيين، أظهروا وعياً سياسياً ناضجاً. لم ينجرّوا وراء خطاب الكراهية ولم يسيروا خلف من استبدل مشروع الدولة بمشروع الحقد.
الانتخابات البلدية لم تكن مجرد معارك محلية، بل كانت اختباراً لقياس الوزن الحقيقي لكل فريق. والنتيجة كانت واضحة: حزب الله وحلفاؤه حاضرون، فاعلون، ومنتصرون. أما من يتحدث عن "هزائم" حزب الله، فليبدأ أولاً بعدّ خسائره في صناديق الاقتراع.
لبنان لا يبنى بالرهان على الخارج ولا بالتحريض الطائفي، بل بالشراكة الوطنية الحقيقية. ومن يفشل في قراءة المزاج الشعبي، سيبقى يكرّر ذات الأسطوانة: "نحن الأقوياء"... بينما الأرقام تُكذّب هذا الادعاء عند أول استحقاق انتخابي.