السوريون بين الوحدة الجغرافية والواقع الفدرالي ــ أمين أبوراشد

الخميس 24 نيسان , 2025 12:45 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

من ألمانيا وبريطانيا وهولندا والسويد والعديد من دول الانتشار السوري القسري، مخضرمون في المعارضة السورية لنظام الرئيس بشار الأسد ومنه لحُكم الرئيس أحمد الشرع، جعلت منهم مجزرة الساحل وسواها من الارتكابات الإجرامية "وكالات أنباء"، ولديهم مَن يزوِّدهم بالتقارير المصورة وإفادات شهود العيان من الداخل السوري، لكن المفارقة أن هؤلاء الناشطين ليسوا علويين ولا من باقي الأقليات، بل هم من سُنَّة بلاد الشام، ومنهم مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، والإعلاميّان حسن الصافي وسمير متيني.

اخترنا الناشطين الثلاثة المذكورين لأنهم يعملون على مدار الساعة من الخارج، من أجل سورية التي لم تعُد تشبههم، لا يذرفون دموع الندم على نظام الرئيس الأسد لأنهم كانوا من معارضيه، بل دموع الخيبة بأحمد الشرع والمحيطين به من القيادات الأمنية والعسكرية، والوزراء الذين جاء بهم واجهة سياسية للحاكم بأمر الله.

واخترنا الناشطين الثلاثة كونهم على لائحة المطلوبين من حكومة الشرع بصفتهم محرِّضين عليها، و"يجب طردهم" من البلدان التي تستضيفهم، ويحملون جنسياتها، سيما أن كلّاً منهم يتناول جزئية من الوضع السوري العام، و"يشكلون تهديداً للاستقرار".

رامي عبد الرحمن يستمر بعمله من بريطانيا كمدير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ويُبلّغ عن كل جريمة قتل أو تنكيل أو تهجير تحصل في الداخل السوري، بفضل شبكة مراسلين سرٍّيين، ونجح في تظهير حجم الارتكابات التي تحصل بحق المدنيين من طرف الجماعات المسلحة، خاصة تلك المنضوية تحت لواء "الجيش الوطني" المدعوم والممول من تركيا، ولعل عبد الرحمن هو الأقدم في "المعارضة المخضرمة" منذ عهد "الأسدين" الأب والابن، ودفاعه عن العلويين حالياً من المنطلق الإنساني والوطني جعل البعض يشكك في سنِّيته.

الناشط الثاني حسن الصافي، كان يعمل في جهاز لوجستي بالدولة، وغادر سورية مع عائلته قبل نحو أربع سنوات إلى ألمانيا، وتركيزه على مسلكية الأجانب لدى قوات الشرع والجرائم التي يرتكبونها بحق العلويين بشكل خاص، ويقارن بين النعمة المعيشية التي كان يعيشها الشعب السوري في عهد الرئيس بشار الأسد، والنقمة التي حلَّت على السوريين بعد انتصار "الثورة المزيَّفة"، وانتشار جرائم القتل والخطف والاغتصاب، وبيع الأعضاء، خصوصاً بحق الطائفة العلوية، مما حدا بممثل "مجلس الشرف للساحل السوري" إلى منحه في مطلع شهر آذار الماضي شهادة "الجنسية الفخرية للساحل السوري".

الناشط الثالث سمير متِّيني المقيم في ألمانيا، وهو الابرز بين مخضرمي المعارضة للأسد والشرع، وهو الأكثر واقعية في مقاربة الشأن السوري، وفي شرح الكماشة التركية - "الإسرائيلية" على الجغرافية السياسية والعسكرية في سورية، وليس أخطر ما يبوح به هو تقاسم الطرفين للهيمنة من تحت الطاولة، بل في استبعاد قبول الأكراد في الشمال الشرقي والدروز في الجنوب لنظام اللامركزية الإدارية، والتوجه النهائي نحو الفيدرالية والانفصال شبه الكامل عن دمشق، مع ما يستلزم ذلك من حكومة محلية ومجلس نيابي محلي وشرطة، لاسيما من أبناء الكيان الفيدرالي، إضافة الى كل المؤسسات الحكومية الخدماتية، لينتهي متيني إلى الاستنتاج الصائب؛ أن دمشق وحمص وحماه وحلب لا بد لها من حل للاستياء السني من السنية المستوردة من ثقافة الإيغور والأوزبك والشيشان، الذين يدخلون الجامع الأموي للصلاة وأيديهم ملطَّخة بدماء السوريين، وشعائرهم الدينية والاجتماعية خطيرة ومتطرفة وغريبة عن المجتمع السوري.

إذاً، الأزمة الوجودية ليست لدى الأكراد الذين وقَّعوا مع الشرع وثيقة ترسيخ حكمهم الذاتي، ولا لدى الدروز الرافضين لمركزية دمشق وجعل بعضهم من الكيان الصهيوني ظهيراُ له، وهو الظهير الآمن في الجولان المحتل، ولا الأزمة لدى العلوي الذي ينتظر حماية روسية، أو قوات دولية تفرض نفسها بديلاً عن "قوات الشرع" في الساحل، بل الأزمة المعضلة هي لدى الغالبية السنية في سوريا، المنتشرة من بين دمشق وريفها وحمص وريفها وحماه وريفها وحلب وريفها، والتي تجد نفسها أمام مخلوقات غريبة إتنياً وعرقياً عن حضارة الشعب السوري، وينوي الشرع دمجهم قانونياً في المجتمع سواء من منطلق المصاهرة أو منحهم الجنسية الشرفية تقديراً لنضالهم في "الثورة".

ولا يبدو أن الشرع باقٍ، لأنه أمام خيارين لا يشكلان له أرضية للبقاء: الأول هو في مطالبة السوريين وبعض الدول العربية والغربية بدولة مدنية علمانية، وهذا الخيار يفرض استبعاد الأجانب عن المشهد العام لدرجة الحاجة للاشتباك معهم وطردهم، والخيار الثاني هو في الفصائل المتطرفة، وعلى رأسها "داعش"، التي تعتبر أنه قد خرج عن "الصراط المستقيم"، وخالف مبادئ "دولة الخلافة"، وما بين الخيارين لن تحسم الوضع السوري - مع الأسف - سوى الحرب الداخلية...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل