حقائق عن التصوف... مقام الصبر

الأربعاء 23 نيسان , 2025 10:23 توقيت بيروت تصوّف

الثبات- تصوف

عرف العلماء الصبر بتعاريف كثيرة، وأهمها ما قاله ذو النون المصري رحمه الله تعالى: الصبر: هو التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى عند حلول الفقر بساحة المعيشة

وما ذكره الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى في مفرداته: الصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه

وما ذكره السيد الجرجاني رحمه الله تعالى في تعريفاته: الصبر: هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله

ويفهم من تعريف السيد أن الشكوى لله تعالى لا تنافي الصبر، إنما ينافيه شكوى الله إلى غيره؛ كما رأى بعضهم رجلا يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: يا هذ أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك، ثم أنشد:

وإذا عرتك بلية فاصبر لها ... صبر الكريم فإنه بك أعلم

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

أقسام الصبر: ذكر العلماء للصبر تقسيمات منوعة، وكلها ترجع إلى هذه الأنواع الثلاثة: صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي، وصبر على المصائب

فالصبر على الطاعات: هو الاستقامة على شرع الله، والمثابرة الدائمة على العبادات المالية والبدنية والقلبية، ومواصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يعترض ذلك من أنواع الابتلاء وصنوف المحن؛ لأن من ورث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعوته وجهاده لا بد أن يصيبه ما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تكذيب ومحاربة وأذى، قال تعالى حكاية عن لقمان يوصي ابنه: {يـبُنَيَّ أَقِمِ اَلصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ واِنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ واِصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ}  وقد أقسم الله تعالى أن الناجين هم من تحقّقوا بصفات أربع: الإيمان، والعمل الصالح، والنصح للأمة، ثم الصبر على ذلك. فقال تعالى: {والْعَصْرِ  إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ  إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُو وعَمِلُوا اَلصّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالْحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ}

والصبر عن المعاصي: هو مجاهدة النفس في نزواتها، ومحاربة انحرافها، وتقويم اعوجاجها، وقمع دوافع الشر والفساد التي يثيرها الشيطان فيها؛ فإذا ما جاهدها وزكاها وردّها عن غيّها وصل إلى الهداية التامة، قال الله تعالى: {والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} وكان من المفلحين ببشارة الله تعالى بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى  وذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى} وقوله تعالى: {وأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَى اَلنَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}  

وأما الصبر على المصائب: بما أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء، فإن الله تعالى يختبر إيمان عباده - وهو أعلم بهم - بأنواع المصائب، ويمحص المؤمنين بصنوف المحن كي يميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق. قال تعالى: {الم  أَحَسِبَ اَلنّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُو آمَنّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ} سواء أكانت هذه المصائب في المال أو في البدن أو في الأهل، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ} وقال تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ والْأَنْفُسِ واَلثَّمَراتِ وبَشِّرِ اَلصّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لله وإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ  أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ} ولا شك أن المؤمن الصادق يتلقى هذه المصائب بالصبر والتسليم؛ بل بالرضىا والسرور، لأنه يعلم أن هذه النكبات ما نزلت عليه من خالقه إلا لتكفير ذنوبه ومحو سيئاته، كما قال عليه الصلاة والسّلام: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه))  كما أنه يعلم أن هذه النوازل إنما ترفع المؤمنين الصابرين درجات عالية ومنازل رفيعة عند الله تعالى؛ إذا هو تلقاها بالرضا والتسليم، كما قال عليه السّلام: إذ سبقت للعبد من الله تعالى منزلة لم ينلها بعمله ابتلاه الله في جسده وفي أهله وماله، ثم صبّره على ذلك حتى ينال المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل...

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل