خاص الثبات
في بلد لا يزال يرزح تحت التهديدات الخارجية والمؤامرات الداخلية، تبقى المؤسسة العسكرية آخر ما يربط اللبنانيين ببعضهم، وآخر مظلة شرعية تحفظ بقايا الدولة.
إلا أن ما صدر عن وزير الدفاع ميشال منسى لا يُمكن أن يُفهم إلا كطعنة في صميم هذه المؤسسة، وكمحاولة غير واعية لتقويض الثقة بها، لا سيما عندما قال إن "الجيش اللبناني على طول جاهز.. بالقليلة بالـ برستيج تبعه، هيدا هو اللي جاهز فيه، ما خص السلاح!"، في تصريح يفتقر إلى الحدّ الأدنى من المسؤولية واللياقة السياسية والأمنية.
في أي قاموس عسكري يُمكن أن نفهم أن "البرستيج" هو معيار الجهوزية؟
هل يعلم الوزير أن الجيوش تُبنى بالخطط والعتاد والتكتيك والانضباط، لا بمظاهر الشكليات والبروتوكولات؟
أم أن معاليه يظن أن مواجهة العدو الصهيوني، الذي لا ينام عن استراتيجيات التفتيت والاختراق، يمكن أن تحصل بالوقار والبدلة المكوية فقط؟
من المؤسف أن يتولى حقيبة الدفاع شخص لا يفقه شيئاً في العلوم العسكرية ولا في مفهوم العقيدة القتالية، ولا في تاريخ الصراع مع كيان الاحتلال.
إهانة للجيش ولعقول الناس
ما قاله الوزير لا يمكن أن يُصنّف تحت خانة "زلة لسان" أو "دعابة"، بل هو استخفاف علني بقدرات الجيش، وإهانة لآلاف الضباط والجنود الذين يرابطون على الحدود، ويواجهون شبكات التجسس والإرهاب، ويُضحّون بأرواحهم بصمت. أن تصدر هذه الكلمات عن وزير الدفاع نفسه، هو بمثابة هدم للمعنويات من الداخل، وضرب لهيبة المؤسسة العسكرية من مصدرها المفترض أن يكون حاميها ومدافعها السياسي.
في مواجهة العدو لا مجال للسطحية
نحن بلد على تماس مباشر مع عدو مدجج بالسلاح، ويملك جيشًا من الأكثر تطوراً في المنطقة. مواجهته لا تتم بعبارات "البرستيج"، بل بفهم دقيق للموازين العسكرية، وبتعزيز الإمكانيات، وبوضع استراتيجية دفاع وطنية حقيقية. وزير الدفاع لا يُفترض أن يكون ديكورًا أو وجهًا بروتوكوليًا، بل يجب أن يكون حاملًا لرؤية أمنية، ودرعًا سياسيًا للمؤسسة العسكرية.
احترام الصمت خير من إهانة الجيش
في ظل كل التحديات التي يمر بها لبنان، نحتاج إلى وزراء يعرفون قيمة الكلام، ووزراء يؤمنون بالمسؤولية، لا الذين يتسابقون على إرضاء وسائل الإعلام بتصريحات شعبوية. إذا كان وزير الدفاع لا يملك شيئًا يضيفه سوى تعليقات ساخرة من هيبة الجيش، فليصمت، فالصمت في موقعه أشرف من كلام يضرب ما تبقى من كرامة الدولة.