"أميركا أولاً" هل تعني "أوروبا أخيراً"؟ ــ د. ليلى نقولا

الإثنين 21 نيسان , 2025 12:33 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

فشلت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال زيارتها البيت الأبيض ولقاء دونالد ترامب من التخفيف من حدة التوترات التي طبعت علاقات ضفتي الأطلسي، خصوصاً بعد أن قام ترامب بالعديد من الخطوات التي يعتبرها الأوروبيون مضرة بمصالحهم، ومنها الموقف من الحرب الأوكرانية، فرض التعريفات الجمركية وموضوع المساهمة في الناتو وغيرها.

عملياً، أدى إعادة انتخاب دونالد ترامب في عام 2024 إلى دخول أوروبا في فترة من عدم اليقين العميق، وبات على الاتحاد الأوروبي أن يواجه تحديات جديدة لم يشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة وتأكيد استقلاله الاستراتيجي، وإعادة تعريف دور الاتحاد في السياسة العالمية.

كيف يمكنه فعل ذلك؟
1- الأمن:
كشفت تهديدات ترامب بالانسحاب من الناتو ورؤيته لمستقبل للدفاع الجماعي عن هشاشة الأمن الأوروبي. وكشفت الحرب الأوكرانية أن القرار العسكري الأوروبي وقدرة الأوروبيين على تزويد أوكرانيا كان مرتبطاً بالموقف الأميركي بالدرجة الأولى، وعدم قدرة الصناعات العسكرية الأوروبية على تلبية الاحتياجات العسكرية بسرعة.

 وبالتالي، يجب أن يبدأ الاتحاد الأوروبي بالتفكير بالاستقلال الأمني، باعتبار أن المظلة الأمنية التي وفرها الأميركيون لأوروبا عبر حلف شمال الأطلسي، ساهمت في تعزيز قدراتهم الاقتصادية وتحويل الأموال الى التنمية والنمو الاقتصادي والتقديمات الاجتماعية.

وعليه، على دول الاتحاد أن تزيد الانفاق الدفاعي إن على صعيد الاتحاد ككل أو على الصعيد الوطني، وهو ما أعلنته المفوضية الأوروبية وما أعلنه المستشار الألماني الجديد، فريدريش ميرتس، الذي أكد تخلي ألمانيا عن سياسة التقشف المالي لصالح الاستثمار في القدرات العسكرية.

2- الاقتصاد:

بالنسبة للتعريفات الجمركية، تشير تقديرات معهد بيترسون إلى أن ما يقرب من نصف الواردات الأميركية تأتي من شركاء تجاريين غير خاضعين لاتفاقيات تجارة حرة، مثل الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن الصناعات الأوروبية قد تواجه خسائر كبيرة.

وبالرغم من أن الأوروبيين يعدّون إجراءات للحد من الآثار السلبية على الصناعات الأوروبية والتجارة مع الولايات المتحدة، لكن أوروبا ستجد نفسها مضطرة الى عقد اتفاقيات تجارية مع شركاء خارج الولايات المتحدة، بما في ذلك الصين، بالإضافة الى إجراءات تسهم في تعزيز الطلب المحلي الأوروبي، وهذا يتطلب إنفاقاً واسعاً لتعزيز الاقتصاد، ومساعدات للصناعات الوطنية.

3- الدور:
أظهرت المفاوضات التي عقدها ترامب وادارته مع روسيا حول أوكرانيا، والتي جرت دون إشراك الاتحاد الأوروبي، أن مستقبل الدور الأوروبي العالمي بات على المحك، وأظهرت أن الدور القديم كان مجرد توزيع أدوار يقوم به الأوروبيون بقرار أميركي.

وعليه، على الأوروبيين، وضع رؤية استراتيجية لدورهم ومستقبل الاتحاد في النظام العالمي الجديد الذي سيتشكّل على أنقاض النظام القديم، بعد أن تنتهي الحروب المتنقلة التي بدأت منذ أكثر من عقد من الزمن وما زالت مستمرة.

وهذا سيفرض على الاتحاد الأوروبي، مقاربة الملفات الدولية بطريقة مختلفة، بدون التصادم مع الإدارة الأميركية الحالية، ولعل أبرز تلك الملفات هي العلاقة مع الصين.

في النتيجة، من خلال زيادة الاستثمار في الدفاع، وتعزيز التنافسية الصناعية والتجارية، ووضع اطر مستقبلية لمستقبل الاتحاد الجيوسياسي، يمكن لأوروبا أن تقلص اعتمادها على الولايات المتحدة وتساهم في تشكيل عالم متعدد الأقطاب، تكون أوروبا أحد اقطابه لا مجرد ملحق بالهيمنة الأميركية... فهل ستستطيع دول الاتحاد أن تثبت أن "أميركا أولاً" لا تعني بالضرورة "أوروبا أخيراً"؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل