خاص الثبات
منذ سنوات طويلة، والمقاومة في لبنان تقف في وجه العواصف، وحدها تقاتل في الميدان، وتُحاصَر في الإعلام والسياسة والمال. يُقال عنها إنها "منتهية"، لكن الغريب أن هذا "المنتهي" لا يزال محط تركيز أعظم القوى العالمية.
أليس عجيبًا أن يُشنّ على من يُقال إنه "انتهى" حصار سياسي، وضغط إعلامي، وعقوبات اقتصادية، ومواقف دولية تبدأ من واشنطن ولا تنتهي عند بعض العواصم العربية؟
إذا كان فعلاً قد انتهى، فلماذا كل هذا الجهد لشيطنته؟ ولماذا كل هذا التآمر على كتم صوته وتفكيك بنائه؟
الحقيقة أن هذا الحزب لم ينتهِ، بل هو لم يبدأ بعد فصلَه الأخير، لا بل إن الصراع حوله دليل على قوته، على حضوره، على تأثيره في معادلات الداخل والإقليم.
المقاومة اليوم ليست بندًا في جدول أعمال الحكومة، وليست قضية خاضعة لمزايدات موسمية، بل هي روح وطنية متجذّرة في وجدان جزء كبير من اللبنانيين. هي مشروع كرامة، لا بندًا على طاولة تفاوض.
ثم يُقال لنا: "نريد جدولًا زمنيًا لسلاح المقاومة."
ونسأل: هل تريدون جدولًا زمنيًا لتحرير ما تبقّى من الأرض المحتلة؟
هل وضعت الدولة جدولًا زمنيًا لإعادة الإعمار؟
هل التزمتم يومًا بجدول زمني لتحرير الأسرى؟
قبل أن تطلبوا نزع السلاح، هل ضمنتم أن الطائرات التي تحلق فوق رؤوسنا لن تُعيد قصف بيوتنا؟
هل لديكم جدولًا زمنيًا لإيقاف الخروقات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية التي لم تتوقف يومًا؟
المعادلة الوطنية لا تُبنى على الأمنيات، بل على الوقائع.
والمقاومة ليست خيارًا عبثيًا، بل هي رد طبيعي على وجود عدو لا يزال يحتل ويعتدي، وعلى تقاعس دولي فاضح عن ردعه.
نتفهم الخوف من السلاح، ولكننا لا نفهم الغدر بالدماء.
نتفهم الاختلاف في الرؤية، ولكننا لا نقبل المساومة على ما تبقى من كرامتنا.
ما يُحاك اليوم ضد المقاومة هو استكمال لما فشلت إسرائيل في تحقيقه بالنار والبارود.
هؤلاء الذين يطالبون بنزع سلاحها، هم ذاتهم الذين صمتوا أمام المجازر، وتفرّجوا على العدوان، وفتحوا الأبواب أمام المشاريع التقسيمية والفتنوية.
أما المقاومة، فهي لم تطلب يومًا شكرًا، ولا تنتظر شهادة من أحد، لأنها تملك شهادة الأرض، وشرعية الدم، وتاريخ الانتصارات.
هي التي كسرت وهم الجيش الذي لا يُقهر.
هي التي أعادت للمواطن العربي ثقته بأن العدو يمكن أن يُهزم.
وهي التي تعرف أن المعركة لم تنتهِ بعد.
فليتوقف البعض عن تكرار الأسطوانة المملة: "السلاح خارج الدولة".
بل ليسألوا أنفسهم: أين هي الدولة التي حمَت؟
الدولة التي التزمت؟
الدولة التي خططت؟
الدولة التي خطبت كثيرًا وفعلت قليلاً؟
نحن لا ندعو إلى دولة السلاح، ولكننا نُصرّ على ألا نعيش في دولة الفراغ، دولة النسيان، دولة العجز، دولة الأبواب المفتوحة أمام الأعداء.
العدو ما زال هناك، يُحاصر غزة، يُقسّم القدس، ويُرسل مسيّراته كل يوم فوق جنوبنا.
فهل هذا وقت الخلافات حول من يحمل السلاح، أم وقت الإجماع على من يجب أن نحمله معًا؟
في النهاية، ليس كل ما يُقال يُكتب في التاريخ،
لكن كل من خان، سيُدوّن اسمه في هامش الخيانة، وكل من صمد، ستنقشه الأرض في وجدان الأمة.