أقلام الثبات
تتزايد نسب التفاؤل بالتوصل الى اتفاق نووي جديد بين إيران والأميركيين، خصوصاً مع بدء التفاوض في عمان بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي والبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف، والتي قال الطرفان إنها كانت بناءة، وإن الأفق ليس مغلقاً للتوصل الى تفاهمات.
بالإضافة الى الملفات التقليدية التي كان الطرفان يتفاوضان حولها منذ فترة ترامب الأولى، وهي الملف النووي وتعهد إيران بعدم امتلاك السلاح النووي، وتقليص مستوى التخصيب، ثم ملف الصواريخ الباليستية وقدرات إيران التقليدية، وهي لم تطرح لغاية الآن، وأخيراً، نفوذ إيران في المنطقة، والذي بات أقل تعقيداً مما كان عليه في فترة ترامب الأولى، خصوصاً بعد التطورات التي حصلت منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 ولغاية عام 2025.
في مجال آخر، تبدو الاستثمارات الايرانية المحتملة عاملاً مغرياً للعديد من الشركات الأميركية، مع العلم أن إيران تحتاج الى استثمارات بقيمة 400 مليار دولار لتطوير قطاع النفط والغاز، ولديها كمية كبيرة من المعادن الاستراتيجية التي قد يرغب ترامب في الحصول عليها، كذلك تخطط إيران لشراء طائرات لتجديد أسطولها الجوي.
تمثل إيران واحدة من أكبر وأغنى الأسواق في منطقة الشرق الأوسط، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواردها الطبيعية الغنية، خصوصًا في مجال الطاقة، وكانت العقوبات الأميركية، خصوصاً تلك المفروضة بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في عام 2018، قد شكّلت عائقًا كبيرًا أمام دخول الشركات الأميركية إلى السوق الإيراني.
بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، اهتمت العديد من الشركات الأميركية بالسوق الإيراني منها بوينغ وجنرال الكتريك وغيرها، وقد تقدم الصينيون حينها بمشاريع كبرى للاستثمار، لكن الإيرانيين فضلوا منح الحصة الأكبر للشركات الأوروبية، التي سرعان ما غادرت السوق الإيراني بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات.
على هذا الأساس، وبالرغم من أنه سيكون هناك رغبة استثمارية في السوق الإيراني، لكن الخوف من عودة العقوبات من جديد، سيدفع الشركات العالمية الى التريث في الاستثمار، لذا سوف يصرّ الإيرانيون – خلال المفاوضات - على ان يقوم الكونغرس الأميركي بالموافقة على أي اتفاق جديد يعقدونه مع الرئيس دونالد ترامب، وذلك للتأكيد من أن الاتفاق سيصمد، وأن أي رئيس أميركي جديد لن يستطيع الخروج منه مجدداً بعد سنوات. في المقابل، سيكون على الإيرانيين تحديث قوانينهم الداخلية لتلائم المعايير الدولية في الشفافية اللازمة للاستثمارات.
اذاً، مزيج من الحوافز الجيوسياسية المتعلقة بالصراع الشرق أوسطي ككل، وقدرة إيران على تأمين الاستقرار في العديد من دول المنطقة، ورغبة ترامب بالسلام والسير بمشروع التطبيع بين العرب و"إسرائيل"، خصوصاً المملكة العربية السعودية، بالإضافة الى السوق الإيراني الواعد الذي يمثّل فرصة حقيقية للشركات الأميركية في حال تمّ رفع العقوبات وتحسنت العلاقات الدبلوماسية، لاسيما مع وجود سوق استهلاكي ضخم، وثروات طبيعية كبيرة، واحتياجات في البنية التحتية والتكنولوجيا... كلها عوامل محفزة للسير بالتفاهم بين إيران والأميركيين، إلا إذا استطاع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة دفع صقور الإدارة الى تضمين المفاوضات شروطاً يصعب على الإيرانيين القبول بها، فتعود الأمور الى نقطة الصفر.