خاص الثبات
مع انطلاق الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في العاصمة العُمانية مسقط، بدا واضحًا أن طهران تدخل هذه الجولة بنهج ثابت: نهج الندية والاحترام المتبادل، لا التراجع تحت الضغوط ولا اللهاث وراء اتفاقات شكلية.
وزارة الخارجية الإيرانية وصفت أجواء المحادثات بأنها "إيجابية"، وأعلنت أن التفاهم على مواصلة الحوار في الأسبوع المقبل هو مؤشر على جدية الطرفين، لكنها شددت – في الوقت نفسه – على تمسك طهران بثوابتها: رفع كامل للعقوبات، وضمانات حقيقية بعدم تكرار خرق الاتفاق كما حدث سابقًا مع انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في 2018.
إيران تفاوض من موقع قوة
خلافًا للرواية الغربية التي تحاول تصوير إيران كطرف متصلب أو مراوغ، فإن الموقف الإيراني في مسقط يعكس حرصًا واضحًا على الوصول إلى اتفاق عادل، بعيدًا عن سياسات الإملاء التي دمرت الثقة لعقود.
طهران تدرك أن العودة إلى الاتفاق النووي ليست هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لضمان مصالحها الاقتصادية والسيادية، وفتح الطريق أمام تفاعل طبيعي مع المجتمع الدولي دون المساس بحقوقها الأساسية.
اختيار مسقط كمكان للمفاوضات ليس تفصيلًا عابرًا؛ فهو يحمل رمزية خاصة. سلطنة عمان كانت دائمًا جسرًا موثوقًا بين الفرقاء، ووسيطًا يحظى بثقة إيران لما عُرف عنها من حياد وهدوء. أربع رسائل تبادلتها طهران وواشنطن عبر الوسيط العُماني في هذه الجولة، في مؤشر على أن لغة الحوار ما زالت قائمة، وإن كانت غير مباشرة.
الرسالة الإيرانية: كفى ازدواجية
المحادثات في مسقط يجب أن تكون فرصة للغرب، وخصوصًا واشنطن، لمراجعة سياساتها المزدوجة تجاه طهران. كيف يُطلب من إيران الالتزام بينما تُفرض عليها العقوبات يومًا بعد يوم؟ كيف يُعاد فتح باب التفاوض دون تقديم ضمانات أو الحد الأدنى من الاحترام المتبادل؟
إيران لا ترفض الحوار، بل تطالب أن يكون قائمًا على منطق المصالح المتبادلة، لا منطق الهيمنة أو محاولات إخضاعها.
المعادلة الإقليمية: لا تفاهم بلا حضور إيران
أي اتفاق يُبحث بمعزل عن طهران لن يصمد طويلًا. إيران هي لاعب إقليمي أساسي، سواء في اليمن أو العراق أو لبنان أو سوريا، ولا يمكن تجاهل وزنها في معادلة الأمن والاستقرار في الخليج والشرق الأوسط.
ومن هنا، فإن إشراكها في بلورة رؤية شاملة للمنطقة هو أمر حتمي، لا خيار إضافي.
قد لا تكون مفاوضات مسقط حاسمة، لكنها تشكّل نافذة جديدة لإعادة بناء الثقة، إن استُثمرت بشكل صحيح. إيران مستعدة للحوار، ولكنها لن تقبل باتفاق منقوص، أو بوعود غير مضمونة.
والرسالة واضحة: من يريد أمن المنطقة، عليه أن يبدأ باحترام شركائها، لا محاصرتهم.