الحرب الثقافية لتغيير المفاهيم والهوية ــ د. نسيب حطيط

الجمعة 11 نيسان , 2025 10:00 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يتعرّض المجتمع الإنساني عموماً لحرب ثقافية غير أخلاقية، تهدف إلى تغيير المفاهيم الإنسانية والطبيعية التي تحاول تعديل الخلق الإلهي وزيادة انواعه، واجتثاث القيم الأخلاقية والإنسانية، لإقامة مجتمع عالمي بدون قيود أخلاقية، ومحو هويته الثقافية والدينية، بعناوين مخادعة، كحقوق الإنسان التي لا يحترمها الغرب، الذي يهجّر الشعوب الأصلية من أوطانها، ويقتل الناس لتأمين مصالحه وتجارته، او بعنوان الحرية الشخصية  وهو الذي يقمع أي حراك حر يطالب بحقوقه وحرية الرأي والموقف فيبادر لتصنيفه "إرهابياً" إذا تعارض رأيه مع رأي الغرب المستبد الذي لا يريد التنازل عن عرشه "كمستعمرٍ" أخرجته قوى التحرر من أوطانها، ويريد العودة إلى نظام "المفوض السامي" او "الحاكم الإداري".
تعتمد الحرب الثقافية على تغيير المفاهيم والمصطلحات والتعريفات، فتصبح المقاومة "إرهاباً"، والعبودية لأميركا و"اسرائيل" حرية ومظهراً من مظاهر الديمقراطية، وليكون اتباع الديانة الإبراهيمية والنزوح الفكري من الإسلام والمسيحية مظهراً من مظاهر السلام والتقدم الإنساني، وتصبح "المثلية" والشذوذ حرية شخصية وقيمة اجتماعية، مقابل وصف كل من يتبع التعريفات الإلهية ويحترم الطبيعة الإنسانية بأنه شاذ، ويتعرّض المعترض على تقليد "قوم لوط" للعقاب والحصار الاقتصادي، ويشترط على الدولة التي تطلب قرضاً او مساعدة من الهيئات المالية الدولية ان تقرّ قوانين الشواذ وتوافق على اتفاقيه "سيداو" التي تطيح بكل المفاهيم الدينية لناحية الأسرة والقيم الأخلاقية.
الحرب الثقافية سلاح فتاك من أسلحة الحرب الناعمة، ولا تحتاج الى بندقية او صاروخ او طائرة، ولديها القدرة على غزو عقول الصغار والكبار الإناث والذكور من هواتفهم المحمولة او شاشات التلفزيون دون رقيب من الأهل او من المجتمع، وتعمل على تفريغ المجتمعات وتدجينها قبل الغزو العسكري، من خلال تعديل وتغيير المفاهيم، لتكون  أداة بيد المحتل، بل وتستدعيه وتقوم بتفجير مجتمعاتها الداخلية وهيكلها الاجتماعي وتفكيك دولها وحلّ جيوشها وتشريع الأبواب أمام الغزاة والمحتلين، فيصبح المستعمر المحتل منقذاً للشعوب المظلومة في أوطانها!
يتعرّض المجتمع المقاوم في لبنان، كما شعوب المنطقة، لحرب ثقافية وإعلامية، مدروسة وذكية، يقف أمامها عاجزاً ومشلولاً لا ينطق لسانه بما يتناسب مع خطورتها، ويصمّ أذانه عن طبولها حتى لا يحمّل نفسه مسؤولية الرد الذي يستتبع العقاب.
يعاني المجتمع المقاوم من ضعف وقصور وتقصير في مقاومة الحرب الثقافية، بسبب إهماله وتخلّيه عن "سلاح الكلمة المقاومة"، واعتماده على سلاح "الرصاصة المقاومة" وهذا خطأ كبير، فأكثر الأنبياء والرسل انتصروا بالكلمة والحجّة والدليل ولم يستعملوا سيوفهم إلا نادرا للدفاع عن الكلمة، لكنهم لم يتركوا الكلمة حتى في لحظات ضرب السيوف.
يُشاغلنا الأعداء على جبهات القتال بالقصف والقتل والتدمير والتهديد بنزع السلاح، بالتلازم مع هجومهم على محاور التربية والأخلاق والثقافة والإعلام والمفاهيم التي أخلينا متاريسها لصالح  تصريحات "المياومة السياسية"، ويستفيدون من انشغالنا بالمواجهة الميدانية وإدارة ظهورنا لجبهة الداخل التي يعملون على تقويضها أخلاقياً وعقائدياً، وتنصيب الشخصيات المصنّعة غربياً، والتي تؤمن بالتبعية، كأحد وجوه التطور ومغادرة التخلف في أوطانها، مما يجعلنا نخسر معركة المفاهيم والعقول والسلوكيات والأخلاق، فتسقط مجتمعاتنا بالمخدرات والإدمان والربا والبطالة والطلاق "والجهل المقنّع" بالشهادات المزوّرة، مما يقيّد منظومة الدفاع والمقاومة ويُربكها في علاج مشاكل أهلها، أو تسقط كما سقط الصينيون في حرب "الأفيون" التي شنّتها بريطانيا بعد عجزها عن إخضاعهم عسكرياً.
إذا كان المقاومون الشجعان يقومون بواجبهم في الميدان، فما عذر علماء الدين وقادة المجتمع المدني والنخب الثقافية والمؤسسات الدينية والاجتماعية عن القيام بواجبها لمواجهة ومقاومة الحرب الثقافية الناعمة على جبهة الداخل التي تهدم الأسرة وتفكّك المجتمع وتهدّد الأمن الاجتماعي للمجتمع المقاوم؟
أسوارنا العقائدية والدينية والأخلاقية مهدّدة بالانهيار بعد اختراقها، مما سيجعل مجتمعاتنا مُستباحة للشذوذ والعمالة والتبعية، وعندها لا حاجة لنزع السلاح ماداموا أنهم استطاعوا نزع عقولنا وأخلاقنا ووحدة الجماعة.
هل يبادر أهل المقاومة والمشروع الوطني لبناء "جبهة مقاومة ثقافية" تحمي المشروع الوطني المقاوم؟
نتمنى ان يتصالح أولي الأمر مع أهل العقل والفكر ويرفعوا "الحجر" عنهم، للتعاون في مواجهة الحرب الثقافية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل