خاص لبنان
في مشهد يعكس مدى الخضوع الذي وصلت إليه بعض الأوساط السياسية اللبنانية تحت ضغوط القوى الخارجية، تأتي تصريحات وفعاليات المبعوثة الأمريكية، مورغان أورتاغوس، لتثير جدلاً واسعاً حول مفهوم السيادة الوطنية في لبنان.
ففي سابقة غير مألوفة، استدعت أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي، مجموعة من الوزراء اللبنانيين إلى سفارتها في بيروت، بينهم وزير الخارجية اللبناني الذي يفترض أن يكون الرمز السيادي الأول في البلاد.
في هذا السياق، يصبح السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف لم يرفض هؤلاء الوزراء هذه "الإهانة الدبلوماسية" التي تهدم الأعراف البروتوكولية وتلغي أي احترام لسيادة الدولة؟
من خلال هذا الفعل، تُظهر أورتاغوس موقفاً ليس فقط متعجرفاً، بل أيضًا مُستخفًا بكافة الأعراف الدبلوماسية.
فالأعراف تقتضي أن يتم اللقاء بين المسؤولين الدوليين في مكاتبهم الخاصة، أو على الأقل، أن يتم احترام التسلسل الهرمي في التعامل بين الدول، وهو ما تجاهلته المندوبة الرقطاء بشكل فج، محولة لقاءاتها مع الوزراء إلى مشهد من التبعية المطلقة.
وبالمقابل، كان الرد اللبناني على هذا الاستدعاء أشبه ما يكون بالاستسلام العاجز، حيث أبدى الوزراء تفاعلاً لا يتناسب مع مبدأ السيادة الوطنية.
لا يمكن تفسير هذا التصرف إلا من خلال القراءة العميقة للرغبة الأمريكية في فرض هيمنتها على لبنان.
فالمبعوثة الأمريكية التي تستدعي وزير الخارجية، وهو رأس الدبلوماسية اللبنانية، إلى سفارتها بدلاً من زيارة مقر عمله، تؤكد بشكل غير مباشر أن لبنان لم يعد دولة ذات سيادة كاملة، بل بات تحت الوصاية الأمريكية.
هذا الانصياع الواضح من قبل الحكومة اللبنانية، والذي ينطوي على تقاعس فاضح، يعكس هشاشة الموقف الرسمي اللبناني أمام الضغط الأمريكي ويكشف عن مستوى الخطورة التي بلغتها الهيمنة الغربية على هذا البلد.
هذا الفعل، الذي يُظهر الخضوع الواضح للمندوبة الأمريكية، يطرح تساؤلاً كبيرًا عن مدى جاهزية الحكومة اللبنانية لتحمل مسؤولياتها في حماية سيادة البلد واستقلاله.
إذا كان ممثل الدولة الأمريكية يستطيع ممارسة هذا النوع من الضغوط والتجاوزات في قلب بيروت، فما هو الدرس الذي يتعلمه المواطن اللبناني من هذا الوضع؟ وهل سيظل الوزراء والقيادات اللبنانية صامتين أمام هذه الهيمنة، أم سيخرجون عن صمتهم ليعيدوا سيادة وطنهم إلى مكانتها الطبيعية في العالم؟
إذا لم تتدارك الدولة هذا الواقع الخطير، فقد يكون لبنان أمام مرحلة جديدة من الاستلاب السياسي الذي قد يستمر في المستقبل القريب.