حرب ترامب ضد "تيار العولمة".. إلى أين؟ ــ د. ليلى نقولا

الإثنين 07 نيسان , 2025 11:56 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

منذ بدء ولايته الثانية في 20 كانون الثاني / يناير 2025، اتخذ الرئيس دونالد ترامب خطوات سياسية كبيرة في سياق مواجهته العالمية مع "تيار العولمة" ومع بعض أجنحة الدولة العميقة في الداخل الأميركي، خصوصاً تلك التي حاربته في فترته الأولى، وتلك التي تتحالف مع "تيار العولمة"، والتي تتعارض مصالحها مع ترامب.

بدأت الحرب بتوقيع سلسلة من الأوامر التنفيذية، والتي أخرجت الولايات المتحدة من اتفاقيات المناخ ومن منظمة الصحة العالمية، وتعليق المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً لدراستها، وإقفال "المؤسسة الأميركية للتنمية الدولية"، وطرد الموظفين الفيدراليين وغيرها.. ثم استكملها ترامب هذا الأسبوع بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات من معظم شركاء التجارة مع الأميركيين، مع رسوم أعلى على الدول التي تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري كبير معها.

تهدف هذه السياسة إلى معالجة الاختلالات التجارية، وتعزيز التصنيع المحلي، والتحفيز على استهلاك "صنّع في أميركا"، وتقليص البطالة وغيرها.. ومع ذلك، أدت الرسوم إلى تداعيات اقتصادية فورية، حيث شهدت الأسواق المالية انخفاضات حادة، وردت دول مثل الصين وكندا والمكسيك وغيرها بإجراءات "معاملة بالمثل".

وفي نفس الوقت، خرجت تظاهرات كبيرة في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا تحت شعار "لا تمسوا"، تعارض ترامب وأيلون ماسك، متهمين الإدارة الجديدة بالنزعة الفاشية والسلطوية، وأنها تهديد للديمقراطية والحقوق المدنية والاستقرار الاقتصادي، ويعتقد كثيرون ان تلك التظاهرات تشبه الى حدٍ بعيد تظاهرات "الثورات الملونة" التي يموّلها جورج سوروس في أنحاء العالم.

تعكس تصرفات الرئيس ترامب تحوّلاً نحو سياسات حمائية ووطنية، تتحدى مبادئ العولمة والتعاون متعدد الأطراف السائد منذ ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وسيؤدي هذا الى زعزعة علاقات عبر الأطلسي، خصوصاً العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، الذي سيضطر الى فرض رسوم جمركية مقابلة وهو ما يخاطر بدخول حرب تجارية يخسر فيها الطرفان.

بالإضافة الى الرسوم الجمركية، إن دعوات الأوروبيين الى "الاستقلال عن أميركا" تعني الاضطلاع بالمهام الأمنية التي كان يقوم بها الأميركيون، والتعامل مع حرب أوكرانيا بمفردهم، ما سيعزز المشاكل الاقتصادية الأوروبية، وقد يدفعها الى تنويع الشراكات نحو الصين، وهو ما ينبئ بانقسامات داخل الاتحاد نفسه.

في المقابل، ستحاول الصين أن تستفيد من انقسام الغرب على نفسه عبر تحويل أوروبا الى سوق بديلة، وهو ما جعل الأوروبيين يتحدثون عن الصين بطريقة أكثر إيجابية، ودفع وزير الخارجية الصيني الى القول إن أوروبا تعتبر "قطبًا مهمًا في عالم متعدد الأقطاب".

وهكذا، يجد العالم نفسه أمام عالم يتجه بسرعة الى تبديل الآليات والمعايير التي قام عليها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتلك التي تمّ تعزيزها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.

وتتعرض أسس العولمة للضغط؛ فعلى الصعيد الاقتصادي، تشكّل رسوم ترامب الجمركية ضرباً لما قامت عليه قواعد منظمة التجارة العالمية، والتي تعتبر إحدى أهم أدوات العولمة الاقتصادية. كذلك يشكّل ارتفاع اليمين المحافظ والتشديد على "القومية" ورفض الهجرة، أيضاً، ضرباً لأسس العولمة التي ترتكز على الاندماج وفتح الحدود بالتوازي مع انفتاح الأسواق.

إنها معركة ترامب ضد "تيار العولمة" التي ستدفع بداية الى فوضى، قد تصبح عارمة قبل أن تنتهي برابح ويتغير معها النظام العالمي برمته.. فهل ينجح؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل