أقلام الثبات
صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت عن دراسة تقضي بتقسيم الدول العربية الخمس: سورية والعراق والسعودية واليمن وليبيا إلى أربع عشرة دويلة، وأطلقت تسميات على هذه الدويلات، وذكرت مبررات قيام بعضها.
وعندما "تُرسِّم" صحيفة بحجم "نيويورك تايمز" خريطة للشرق الأوسط الجديد، فإن هذا يعني أن الرُسُوم ستُدفع من دماء الشعب العربي، والأسلحة دائماً أميركية.
وبصرف النظر عن صحَّة هذه الدراسة ومدى مقاربتها للحقيقة، إذ ليس بالضرورة أن تنتصر أميركا ساعة تشاء وأينما تشاء، منذ نكسة فيتنام ووصولاً الى العراق وأفغانستان، لكن علينا أن نعترف أنها ضربت بلاد الشام منذ صنعت "داعش"، باعتراف وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها "خيارات صعبة"، وشرَّعت حدود بلدان "سايكس بيكو" لكل الانتهاكات، كالتي تحصل حالياً في جنوب لبنان، وفي شمال وجنوب سوريا.
في الدراسة التي أوردتها "نيويورك تايمز"، نستطيع أن نُدرِج الدول العربية الخمس ضمن ثلاث شرائح:
الشريحة الأولى تضمّ اليمن وليبيا، والشريحة الثانية سورية والعراق، والشريحة الثالثة المملكة السعودية.
وإذا كانت كل من اليمن وليبيا جاهزتين للتقسيم طبقاً لواقع الأرض، وسورية والعراق يُعمل لتقسيمهما على الأرض، فإن تقسيم المملكة إلى خمس دويلات يتناقض مع تصريحات الرئيس دونالد ترامب بأنه قادم لوقف الحروب وليس التسبب بحروب جديدة.
الشريحة الأولى: اليمن وليبيا
- اليمن قسَّمته دراسة "نيويورك تايمز" إلى دولتين كما كان الحال قبل قيام الوحدة اليمنية عام 1990: اليمن الشمالي وعاصمته صنعاء، واليمن الجنوبي وعاصمته عدن، وهذا التقسيم ليس بجديد على الواقع اليمني.
- ليبيا، أعادتها الدراسة إلى ما كانت عليه في العصر الروماني، وقسَّمتها إلى ثلاث دويلات:
"إقليم تريبوليتانا" في الشمال ويضمّ العاصمة طرابلس الغرب، و"إقليم سيرينايكا"، ويضمّ بنغازي والشرق الليبي، و"إقليم فزان" في الجنوب والجنوب الغربي، ويضمّ الجماهيرية الليبية السابقة.
وهذا التقسيم لليبيا هو أيضاً واقعي، إذ فشلت كل الأحزاب والعشائر والمجالس والحكومات في إعادة توحيد ليبيا، منذ إسقاط نظام معمر القذافي.
الشريحة الثانية: سورية والعراق، وتدخل هاتان الدولتان ضمن مخطط "إسرائيل الكبرى"، وتدخلان أيضاً ضمن "شعاع داعش" لتدمير الحدود، بدليل قيام دويلتين مشتركتين بين سورية والعراق.
- قسَّمت الدراسة سورية إلى ثلاث دويلات: دويلة "علويستان"، وتمتد من شمال سورية إلى جنوبها وتضمّ العلويين والدروز، ودويلة "كردستان السورية"، التي يمكن ضمها إلى كردستان العراق كدويلة للأكراد، ودويلة "سنيستان" في الوسط للغالبية السنية، ويمكن أن تُدمج مع دويلة "سنيستان العراق" لتشكيل الدويلة السنية الكبرى.
- وقسَّمت الدراسة العراق إلى ثلاث دويلات: "كردستان العراق" في الشمال بالدمج مع "كردستان سورية" كموطن للأكراد، و"سنيستان" في الوسط بالدمج مع "سنيستان سورية" كدويلة سنية، و"شيعستان" في الجنوب للطائفة الشيعية.
الشريحة الثالثة، تنفرد فيها المملكة العربية السعودية، وقسَّمتها دراسة "نيويورك تايمز" إلى خمس دويلات نتيجة خلافات بين الأمراء الجُدد وفق الدراسة:
دويلة في الشمال ودويلة في الغرب، ودويلة في الجنوب على الحدود مع اليمن، ودويلة "وهَّابستان" في الوسط، وتضم العاصمة الرياض، ودويلة الدمَّام للطائفة الشيعية.
وإذا كانت الشريحة الأولى منطقية لجهة اليمن وليبيا، والشريحة الثانية مستقبلها مؤسف، لأن الدماء التي تسيل في سورية الآن على أيدي التكفيريين قد تنتقل إلى العراق، وانتقالها يُريح العدو الصهيوني من أجل "إسرائيل الكبرى"، فإن الحديث عن تقسيم المملكة ليس فقط بعيد المنال عن الأحلام الأميركية، لأنه يُشعل الحرب العالمية الثالثة بين الدول الكبرى التي لها جميعها مصالح مع المملكة، ولن تكون المملكة لُقمَة إسلامية - عربية سائغة للعدوان الأميركي، لا بل ستكون "نكبة فيتنامية" لأميركا على مستوى العالم.