حقائق عن التصوف.... مقام الإخلاص2

السبت 15 شباط , 2025 03:37 توقيت بيروت تصوّف

الثبات- تصوف

أقوال العلماء في أهمية الإخلاص:

قال مكحول رحمه الله تعالى: ما أخلص عبد أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه

 وقيل لسهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب

وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء

 وقال ابن عجيبة في شرح حكمة ابن عطاء الله السكندري رحمهما الله تعالى: [الأعمال صور قائمة، وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها]: الأعمال كلها أشباح وأجساد، وأرواحها وجود الإخلاص فيها، فكما لا قيام للأشباح إلا بالأرواح وإلا كانت ميتة ساقطة؛ كذلك لا قيام للأعمال البدنية والقلبية إلا بوجود الإخلاص فيها، وإلا كانت صورا قائمة وأشباحا خاوية لا عبرة بها

وكلام العلماء والعارفين في الإخلاص أكثر من أن يحصى، وكلهم يؤكدون عظيم أهميته وكبير أثره

مراتب الإخلاص: قال ابن عجيبة رحمه الله تعالى: الإخلاص على ثلاث درجات: إخلاص العوام والخواص وخواص الخواص

فإخلاص العوام: هو إخراج الخلق من معاملة الحق مع طلب الحظوظ الدنيوية والأخروية كحفظ البدن والمال وسعة الرزق والقصور والحور

وإخلاص الخواص: طلب الحظوظ الأخروية دون الدنيوية

وإخلاص خواص الخواص: إخراج الحظوظ بالكلية، فعبادتهم تحقيق العبودية والقيام بوظائف الربوبية محبة وشوقا إلى رؤيته، كما قال ابن الفارض:

ليس سؤلي من الجنان نعيما ... غير أني أحبها لأراكا

وقال آخر:

كلهم يعبدون من خوف نار ... ويرون النجاة حظا جزيلا

أو بأن يسكنوا الجنان فيضحوا ... في رياض ويشربوا السلسبيلا

ليس لي في الجنان والنار رأي ... أنا لا أبتغي بحبّي بديلا

وقال: والحاصل لا يمكن الخروج من النفس والتخلص من دقائق الرياء من غير شيخ أبدا  والله تعالى أعلم

وأسمى مقاصد الصوفية أن يرتقوا بإخلاصهم إلى أرفع الدرجات ويعبدوا الله مبتغين وجهه دون أن يقصدوا ثوابا:

فما مقصودهم جنات عدن ... ولا الحور الحسان ولا الخيام

سوى نظر الجليل وذا مناهم ... وهذا مقصد القوم الكرام

كما قالت السيدة رابعة العدوية : ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، وإنما عبدتك لذاتك فلو لم يكن ثمّة ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، لما تأخروا عن عبادتهم ولما انثنوا عن طاعاتهم لأنهم يعبدون الله لله، ولأن أعمالهم تصدر عن قلب عمّره حبّ الله وحده، وطلب قربه ورضوانه، بعد أن أدركوا نعمه وآلاءه، وذاقوا برّه وإحسانه وليس معنى هذا أنهم لا يحبون دخول الجنة، ولا يرغبون في البعد عن النار - كما فهم بعض الحمقى من أعداء التصوف -  فهم يكرهون النار ويخافونها لأنها مظهر سخط الله وغضبه ونقمته، ويحبون الجنة ويطلبونها لأنها مظهر حب الله ورضاه وقربه، كما قالت آسية زوجة فرعون: {رَبِّ اِبْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتً فِي الْجَنَّةِ} فهي قد طلبت العندية والقرب قبل أن تطلب الجنة، طلبت الجوار قبل الدار

وما حبّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا

ولم تكن رغبتها في الجنة إلا لنوال الحب والقرب والرضا منه تعالى، وهكذا عندما ترتفع همة العبد وتسمو غاياته يترفّع عن ملاحظة لذائذه البدنية ومنافعه الشخصية، سواء كانت دنيوية أم أخروية، ويبغي في جميع عباداته الحب والقرب، والتحقق بالعبودية الخالصة، فعلى قدر همة العبد يكون مطلبه ولا نقصد من هذا أن الذي يبغي من طاعاته وعباداته النعيم الأخروي والتمتع بلذائذ الجنة، أو الخلاص من عذاب النار، أنه منحرف ضال، ولا ندّعي أنه محروم من وعد الله؛ بل هو مؤمن طائع صالح، إلا أن مرتبته أدنى من مرتبة أولئك الذين سمت نياتهم، وارتفعت هممهم في إخلاصهم لربهم

 قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى: القيام بالأوامر والنواهي لله وحده، لا لجلب ثواب ولا لدفع عقاب، وهذا حال من عبد الله لله، خلاف من عبد الله للثواب وخوف العقاب، فإنما عبد لحظّ نفسه، وإن كان هو محبا أيضا، لكنه في درجة الأبرار، وذاك في درجة المقربين

  قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في قواعد التصوف : تعظيم ما عظّم الله متعيّن، واحتقار ذلك ربما كان كفرا، فلا يصح فهم قولهم: [ما عبدناه خوفا من ناره ولا طمعا في جنته] على الإطلاق إما احتقارا لهما - وقد عظمهما الله تعالى - فلا يصح احتقارهما من مسلم، وإما استغناء عنهما ولا غنى للمؤمن عن بركة مولاه. نعم لم يقصدوهما بالعبادة بل عملوا لله تعالى لا لشيء، وطلبوا منه الجنة والنجاة من النار لا لشيء. وشاهد ذلك في قوله تعالى: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} إذ جعل علّة العمل إرادة وجهه تعالى


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل