أقلام الثبات
عكست الاحتفالية "الاسرائيلية" - الاميركية، وضمنا ادعياء السيادة في لبنان, بتصريح الموفدة الاميركية نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من القصر الجمهوري في بعبدا، فحوى هشاشة ما سمي بالتغييرات في الشرق الاوسط, وفضحت سياسة الترويع غير المسبوقة في وقاحتها من حيث اعلان نيتها , استئصال فئة لبنانية , تماما كما فعل سيدها الاول , بإعلان نيته السطو على قطاع غزة , وتشريد اهله في 3 اتجاهات؛ مصر والاردن والسعودية .
ان موظفة "درجة" رابعة تحاول الاملاء على المسؤولين اللبنانيين من كبيرهم الى صغيرهم , وبمواكبة حملة اعلامية محلية وعربية ودولية، عزل شريحة لبنانية هي الاوزن وطنيا واقتصاديا , والضغط الفاجر لمنع المشاركة وخصوصا حزب الله في الحكومة اللبنانية، باستخدام لغة ترهيبية مصحوبة بابتسامات مخادعة , اوحت من خلالها ان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون كان متحمسا للأفكار الاميركية ب: "الامتنان" لإسرائيل بانها "قضت على حزب الله، و لقد وضعنا خطوطًا حمراء واضحة في الولايات المتحدة لمنعهم من ترويع الشعب اللبناني، وهذا يشمل عدم مشاركتهم في الحكومة. لقد بدأت نهاية عهد الإرهاب الذي يمارسه حزب الله في لبنان وحول العالم، وانتهى دوره"، بحسب تعبيرها.
لا يشك مخلوق , او فئة ,او دولة , ولو لا يعلنون ذلك على الملأ , والارجح نتيجة الترهيب , بان المواقف الاميركية سواء بالكلام , او بالأفعال , هدفها الاذلال والمهانة , ومن اي منبر , الا ان التمادي الوقح , من منبر رئاسة الجمهورية , يحمل في طياته , ليس ذلك فحسب , او تدخلا سافرا ووقحا في الشؤون الداخلية , من خلال وضع "خطوط حمراء ", وانما الاعلان بان لبنان تحت الاحتلال الاميركي وعصاه اسرائيل في الجنوب , والارهاب , من الشرق والشمال .
وهنا لا بد من تذكير اورتاغوس الاتية الى السياسة بروح وممارسة فاشية بما تعرفه هي أكثر من غيرها .
اولا , طالما وضعت بلادك مخططات ارهابية, ليس على مستوى المنطقة ولبنان فحسب , بل على كل دولة او شعب , لديه كرامة وانتماء , ويرفض الذل الذي يصنع في الولايات المتحدة , ونفذت جرائم موصوفة مسجلة في دوائر الامم المتحدة , ومحكمة العدل الدولية , ومحكمة الجنايات الدولية , وكذلك عمليات تدمير دول , وسطت على ثرواتها تارة بالقوة العسكرية الغاشمة واطوارا , بالتهديد والوعيد , وبالعقوبات المشينة لتجويع الشعوب كي ترضخ للأهواء الاميركية الفاشية بكل ما في الكلمة من معنى ,بكل المقاييس المنافية للقيم الانسانية ,والانقلابات والاغتيالات والخطف, وانشاء سجون على اراضي الغير , اما ما اعلنته اورتاغوس , وكأنها في حفل تعر , وتعرية , لم يكن ليمر من دون موقف واضح من رئاسة الجمهورية , وحسنا الذي حصل من اصدار بيان رئاسي وفيه ان: "بعض ما صدر من نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من بعبدا يعبر عن وجهة نظرها، والرئاسة غير معنية به" ولو لم يكن البيان ,على قدر الحدث والمقام .
من المفهوم ان البلاد تمر في مرحلة دقيقة وحساسة ,وان لبنان ملزم باستقبالها , لكن يمكن القبول بممارسة هذه السطوة الغاشمة، لكن يمكن الاستفادة من الدرس , إذا كان في الامر جهل لما حصل ,كي لا يكون منبر الرئاسة مرة اخرى منصة لإطلاق المواقف , الا من رئيس الجمهورية , او ضيف لا يقل منصبا, او عبر بيان مشترك, او مؤتمر صحافي مع ضيف على المستوى نفسه , ولا دون ذلك ابدا , وبذلك فقط يصان موقع الرئاسة مع الهيبة المفترضة , في هذا المجال .
ثانيا , ليس ارتداء نجمة الصهيونية سواء بسلسلة معلقة بالرقية تعني انها مجرورة من رقبتها , او كخاتم يحبسها صهيونيا من شأن احد في خياراتها السياسية كتفصيل في نهج ادارتها ,لكن من السفاهة الفاجرة ,ان تعلن بكل هذا المجون ان اسرائيل موجودة على الطاولة ليس كطيف , وانما كحضور فعلي عبر زينتها الكريهة ,وقد تجلت الوقاحة بتسريب خبر فحواه ان السفارة الاميركية , بعثت للرئاسة اللبنانية برسالة "اشبه باعتذار " عن تصريح اورتاغوس في القصر الجمهوري، فيما هي تستكمل ذلك بالتسلل الى الاراضي اللبنانية المحتلة برفقة وزير الحرب الصهيوني يسرائل كاتس , حيث سقط شهداء اطفال ونساء بالسلاح الاميركي , كما رجال دافعوا عن كرامة بلادهم حتى الاستشهاد ,فان الامر تجاوز ايضا الحدود الاخلاقية والانسانية التي منها براء دولتها ,للإعلان عن الشراكة في الاحتلال في السياسة كما في الحرب .
بالطبع شعرت المسؤولة الاميركية التي اطلقت كلمات غير مسؤولة, بالازدراء لها , بعد تلمس ردة الفعل الشعبية الفورية على تصريحها , ورضخت لنصيحة المسارعة في العودة جوا من الجنوب ,قبل اكمال جولتها المقررة من لبنان , لان اهل الجنوب كانوا على استعداد لتلقينها درسا يعالج عنجهيتها المستمدة من سيدها دونالد ترامب , المشبع بالكراهية العرقية , والشخصية ذات الميل الفاشي كما شبهه الجنرال الاميركي رئيس اركان الجيوش الاميركية مارك ميلي , وهو الذي عينه ترامب في رئاسته الاولى , ويعمل حاليا على الانتقام منه بالبحث عن كيفية تجريد ميلي من رتبته العسكرية .مع انه خرج الى التقاعد بعدما تم سحب الامتيازات المحقة له "الحماية الامنية، وازالة حتى صوره من على جدران البنتاغون , وهي سابقة لا تنطبق الا على الخونة للمؤسسة العسكرية .
لقد شهد لبنان 3 احداث لافتة في التعاطي مع الاميركيين , اولها , مع اول سفير بعد اتفاق الطائف, واسمه ريان كروكر, في بداية عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي , اذ حاول ان يتعاطى بتعالي مع الصحفيين بعد اول لقاء مع رئيس الجمهورية , فبادر الصحافيون في المقر الرئاسي آنذاك الى مقاطعته فورا بعد اسماعه ما يجب , وانسحبوا رافضين الاستماع الى بيانه المكتوب , وجرت تدخلات فورية من الرئاسة , ليتم معالجة الموضوع بعد اعتذار منه داخل فندق البوريفاج , ومن ثم الادلاء ببيانه امام عدد ضئيل من الصحافيين .
الحدث الثاني , كان في الفترة الختامية للرئيس الهراوي , حين جاءت موفدة اميركية , وجرى تفتيش القصر الجمهوري من الامن الاميركي من الامن الاميركي وهناك صورة شهيرة نشرتها الصحافة اللبنانية وهم يرفعون السجاد للتفتيش تحته ,وقد ضجت البلاد حينها , كيف سمح لكل تلك الوقاحة والعنجهية الاميركية في التعامل مع دولة ذات سيادة .
الحدث الثالث , حصل في عهد الرئيس اميل لحود بعد تحرير الاراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000 , واثناء عملية ترسيم الحدود , وحينها تدخلت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت وبطلب اسرائيلي كي يغض لبنان الطرف عن نقاط حدودية خلافية , وحصل جدال كبير رفض الرئيس لحود التنازل عن سيادة لبنان على شبر من الإراضي اللبنانية , وعندما حاولت اولبرايت التلفظ بكلمات تحمل خارج السياق الدبلوماسي , واشبه بالتهديد , اسمعها الرئيس لحود كلمات قاسية قبل ان يقفل خط التواصل بوجهها , لتبدأ بعدها حملات مسعورة ضده , مع محاولات تشويه شارك فيها بعض مرتزقة الداخل والجالسون على الضفاف بأمر من السفارة الاميركية .
في هذه المرحلة غير المسبوقة في لبنان , لا يمكن , ولا نية لاي لبناني , الا ان ينجح عهد الرئيس جوزاف عون , وان تتمكن حكومة نواف سلام من تحقيق اصلاح وانقاذ , لكن ان يحقق ذلك يستوجب الا يكون بما تحاول واشنطن املاءه وفق مصالحها حصرا , وانما كاي دولة تضع مصلحة شعبها فوق اي اعتبار ,والكرامة الوطنية فوق كل الاعتبارات , وهذا لا يتناقض اصلا في العلاقات بين الدول اكانت كبيرة ام صغيرة , حتى لا يكون لبنان امام بخارى جديدة عندما غزاها المغول , بعد ان تمكنوا من التلاعب بفئة اختارت طأطأة الرأس استخدمها المغول بيادق فست الوحدة الوطنية
بالطبع ان الحكومة المشكلة بعد شهر من تكليف الرئيس نواف سلام , لم تحاك كل الرغبات الاميركية , لكنها ببصمات اميركية حقيقية ووازنة , ولا ينكرن احد ذلك , فيما المتغيرات التي تهدد المنطقة على خلفية سياسة واشنطن لا يجوز التكهن بما ستؤول اليه مع شخص متل دونالد ترامب الذي ينطبق عليه "الجنون الفاشي " وهذا الوصف متداول في العالم كله بما يؤشر على ان سياسات واشنطن غير مستقرة , لا بل ستكون عبئًا على غالبية دول العالم وبالأخص في منطقتنا , بعد انهيار "نظام اللاستقرار "باتجاهات اكثر خطورة , عنوانها الحروب التجارية لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية , وسيتجلى الجشع الاميركي الترامبي اكثر فاكثر من ابتزازات كما حصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان - مسألة التريليون دولار-
لكن إذا نجح المتمسكون في سيادة اوطانهم ووحدة شعوبهم , في التكييف مع الاتي دون ان يكون بيادق , والانزلاق سيتمكنون من الخروج بأضرار محدودة , ولا يتحولون الى حطام او حطب في المرجل الاميركي .