أقلام الثبات
بعد سقوط سوريا بيد التحالف الأميركي - "الاسرائيلي" - التركي أصيب محور المقاومة بضربة قاتلة على مستوى الدور والتأثير في منطقه الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية كمرحلة اولى، ثم في الداخل الايراني تحديداً كمرحلة ثانية، حيث يعمل التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" منذ أكثر من عقدين على قصف المفاعلات النووية الإيرانية.
بعد شهر من اجتياح عام 1982، وصلت قوات الحرس الثوري الى لبنان من البوابة السورية، وبموافقة الرئيس حافظ الأسد، لمساعدة المقاومة اللبنانية في مواجهة الاحتلال "الإسرائيلي"، وكانت المرة الأولى التي تشارك فيها إيران في قضية القتال ضد "اسرائيل" وتوسعته من صراع عربي - "إسرائيلي" الى صراع إسلامي - "اسرائيلي"، ومشاركة ميدانية أنتجت ولادة "المقاومة الإسلامية" في لبنان.
بعد 42 عاما من الوجود الإيراني المسلّح، والثقافي والسياسي في لبنان وسوريا، تخرج إيران من البوابة السورية ايضاً كلاعب اساسي في استمرار المقاومة الفلسطينية المسلحة، بعدما وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية على "اتفاقيات أوسلو" بالتخلي عن السلاح والتحوّل الى المقاومة السلمية والإدارة الذاتية للضفة الغربية.
والسؤال المطروح: هل ارتكبت إيران خطأً استراتيجياً بالتخلي عن دعم النظام في سوريا؟
هل وقعت إيران ضحية خداع تركي - روسي؟
هل استطاع "الإصلاحيون" في إيران تنفيذ استراتيجيتهم بعدم تصدير الثورة وشعار "إيران أولاً" و"شالوم" لليهود؟
للإجابة، لابد من تقييم نتائج الانسحاب الإيراني من سوريا، ومنع سقوطها بعد 14 عاماً من القتال مع النظام، بهدف حفظ طريق "إمداد" المقاومة في لبنان وحماية "المقامات" المقدسة، فما الذي تغيّر بعدما خسرت إيران سوريا؟
- خسرت إيران الدولةَ العربيةَ الوحيدةَ التي وقفت معها عند انتصار الثورة، ودعمتها وساندتها في الحرب العراقية - الإيرانية، وكانت النافذة العربية الوحيدة التي تثقب جدار "الصراع العربي - الفارسي"، وبخروج إيران من سوريا تكون إيران قد خرجت من العالم العربي.
- خسرت إيران موقعها في قضية الصراع الإسلامي - الفلسطيني، لأن سوريا كانت محطة التواصل والإمداد بين إيران وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وعاد الصراع العسكري إلى صراع عربي - "اسرائيلي"، وفي السنوات القادمة سيكون صراعاً فلسطينياً - "اسرائيلياً"، او صراعاً بين بعض الفلسطينيين و"إسرائيل".
- خسرت إيران أحد خطوط الدفاع الاساسي عن الثورة، بعدما تمت إبادة غزة، وتحييد المقاومة في لبنان وتقييدها، والضغط على العراق من الساحة السورية ووضعه بين خيارين: الحياد او الفوضى.
ستضطر إيران للقتال في الداخل الإيراني، وسيكون النظام بين مطرقة الانتفاضات الشعبية الداخلية، التي تتراوح بين المشروعية بالمطالبة بالحقوق، وبين الانتفاضات المموّلة التي يقودها الخارج؛ من انتفاضه "الحجاب" الى انتفاضة "المايوه" الى انتفاضات الكهرباء والماء، وغيرها من العناوين التي تحترفها اميركا.
لابد من استعادة تجربة الاتحاد السوفياتي وانسحابه من افغانستان بعد الضغط الاميركي عبر الجماعات التكفيرية من "الأفغان العرب" الى" القاعدة وبن لادن" و"طالبان"، حيث انسحب السوفيات عام 1988 وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 عبر الإصلاحي ميخائيل غورباتشوف؛ صاحب نظرية "البيريسترويكا - إعادة البناء"، فكان الانسحاب من أفغانستان المعول الأول في هيكل الاتحاد السوفياتي، ويمكن ان تكرّرها أميركا مع الروس ثانية وتكون أوكرانيا بداية تفكك الاتحاد الروسي، خصوصاً بعد الخطأ الروسي بإسقاط النظام في سوريا وخروجهم من المياه الدافئة التي سعوا اليها مئات السنين.
لا زال الوقت متاحاً أمام إيران لترميم ما تم تدميره من محور المقاومة، عبر المبادرة للهجوم الاستباقي قبل ان يبادر التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" بتوجيه ضربة قاتلة لإيران، بالتلازم مع اشعال الشارع الإيراني واستغلال لحظة الارتباك والتفكك والهزيمة النفسية لمحور المقاومة.
الذكرى السادسة والأربعون لانتصار الثورة الإسلامية شباط 2025 محطة مفصلية وحساسة؛ فإما ان يستطيع النظام حماية الثورة واستمرارها، او تكون منعطفا اساسياً لإسقاط الثورة.
حمى الله إيران وثورتها، مع الدعاء ان يغادر قادتها دائرة التردّد القاتل والتهديد الهوائي الى دائرة الفعل المقاوم قبل فوات الأوان، فلم تكن المقاومة في لبنان اقوى منهم وقاتلت حتى الاستشهاد الكربلائي، وليس اليمن المحاصر والجائع اقوى منهم، وهو الذي اغلق باب المندب وهدّد التجارة العالمية ولايزال يقصف "إسرائيل" وليست المقاومة العراقية اقوى منهم ايضاً.
إن سقطت الثورة سقطنا جميعا، وعادت المنطقة للاستعمار "الإسرائيلي" - الأميركي عقوداً طويلة، وستحل "الديانة الإبراهيمية" محل الإسلام.
معركة إيران اليوم هي معركة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء لحفظ الدين، وليس لحفظ الثورة ورفاهية شعبها.. فهل تبادر؟
إيران.. بين الخطأ الاستراتيجي والخديعة _ د. نسيب حطيط
السبت 21 كانون الأول , 2024 07:25 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة