حتى لا تضيع التضحيات بين التعويضات واعادة الإعمار _ د. نسيب حطيط

الجمعة 20 كانون الأول , 2024 10:27 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 تواجه المقاومة مشاكل كبرى متعدّدة الوجوه، بعد اتفاق وقف إطلاق النار (اتفاق الضرورة) وانتهاء العمليات العسكرية من طرفها وتتمثل هذه المشكلة بالأمور التالية:
 - ترميم هيكلها التنظيمي والعسكري وجمع جثامين الشهداء والبحث عن المفقودين.
- صرف التعويضات للمتضررين من أهلها، والتي تجاوزت اضرار حرب تموز 2006 بأضعاف.
  - استيعاب الضربة القاسية بسقوط سوريا وقطع طريق لبنان، ومجاورة المعارضة المسلّحة على حدودها الشرقية والشمالية .
-   تحضير نفسها للمستقبل على سبيل الاحتياط، تحسّباً لما قد يصيب العراق ثم ايران.
تواجه المقاومة كل هذه الامور والمشاكل الصعبة المرحلية والاستراتيجية لأول مره منذ تأسيسها في ظل غياب قائدها الرمز "السيد الشهيد" وأغلب قياداتها الميدانية التي بنت المنظومة العسكرية للمقاومة منذ 40 عاماً.
 تواجه المقاومة هذه الاوضاع الصعبة في ظل حالة استقواء وحقد وتطاول وغباء من خصومها اللبنانيين، وانفضاض أكثر حلفائها او ممن كانوا معها، واعتقاد البعض ان المقاومة قد انتهت، وأنها تعيش حالة الاحتضار العسكري وبعده الاحتضار السياسي نتيجة انتصار المشروع الأميركي في المنطقة.
وجدت المقاومة نفسها في ظروف قاسية وهي لم تضمّد جراحها، ولم تشيّع قائدها، ولم يعد النازحون الى كل قراهم، ومع ذلك استطاعت ان تصمد حتى الآن، وعلينا حمايتها ودعمها واحتضانها، وإغماض العين عن بعض التقصير او الاخطاء، فهي مقاومه مكلومة مجروحة لا تستطيع البكاء على احبائها، وتكتم غصّتها، ولا تستطيع البوح بما في صدرها، وعلينا ان نساعدها ليس من قبيل الشفقة، بل من قبيل الواجب، وأول الواجبات الصدح جميعا بما فعله المقاومون الكربلائيون الشجعان الذين قاتلوا كما في الأساطير، والإضاءة على شجاعتهم وبسالتهم وايمانهم، فبضعة الاف من المقاومين في قرى معدودة ومعزولة على الحدود بلا قيادة وبلا تواصل قاتلوا 50,000 جندي "اسرائيلي"، ومئات الطائرات والبوارج والدبابات وهم لا يملكون الا بنادقهم الرشاشة الفردية وبضعة صواريخ، ومع ذلك يقودون انفسهم ويخططون افراداً او مجموعات من ثلاثة ويقاتلون مدك 60 يوما، ولم يزحزحهم الاحتلال ولم يعد منهم جرحى، بل قاتلوا حتى الاستشهاد.
علينا ان نُعرّف الناس والأجيال القادمة عن معارك "تشرين الأسطورية" التي خاضها بضع مئات من المقاومين، واستطاعوا منع العدو من احتلال مدينة الخيام التي تبعد عن الحدود مئات الأمتار، وقاتلوا واستشهدوا ولم تسقط الخيام.
علينا مسؤولية تعريف الناس أن مقاومة استُهدف أغلب مخزونها الصاروخي بالضربات الجوية "الإسرائيلية" في الأيام الاولى للحرب، وبقيت تقاتل، ثم ساندت نفسها واعادت مخزونها الصاروخي، وبقيت تقصف حتى اللحظة الأخيرة.
علينا ان نضيء وننشر ان ثلاثة مقاتلين معزولين استطاعوا إبادة مجموعة من 20 جنديا من لواء "جولاني" على السياج الحدودي بعد شهر من القتال والقصف.
من حق الشهداء والمجاهدين ان يعرف الناس ان بعضهم صمد وحده في عيتا الشعب او ميس الجبل مدة 50 يوما وهو يقاتل منفرداً، ثم عاد حياً بعد وقف النار من بين صفوف العدو.
من حق الشهداء ان ننشر حكايات شجاعتهم وايمانهم وعقيدتهم حتى لا تضيع التضحيات بين الخسائر ودمار البيوت وتعويضات النوافذ والأبواب، والتي هي حق للناس، لكن الدماء أغلى من كل شيء.
نحن الآن في المعركة المُكمّلة لمعركة الميدان؛ معركة حفظ المقاومة وحفظ التضحيات الشهداء، وإذا غرقنا في تفاصيل التعويضات او التأخير في التعويضات، نكون قد خسرنا ثلاث مرّات، خسرنا الربح المعنوي للحرب، وخسرنا المقاومة، وخسرنا التعويضات ايضاً
واجبنا الامتناع عن مهاجمة او نقد المقاومة على صفحات منشوراتنا او الفضائيات، والا نكشف اخطاءها ونعلن عنها، بل التواصل معها ونصحها ونقدها بجرأة دون مجاملة والمطالبة بتصحيح الأخطاء والسلوكيات.
على المقاومة ايضاً ان تستوعب انفعالات اهلها المصابين ،والمُدمّرة بيوتهم، والذين استشهد ابناؤهم وان تجري مراجعه لخطابها وسلوكياتها، دون مغادرة الثوابت والمبادئ، ولا يبقى خطابها هو ذاته قبل الحرب وبعد الحرب، فلابد ان تتعايش مع الاوضاع الجديدة "الزلزالية"؛ بما يحفظها ويحفظ اهلها ويحفظ ثوابتها ومبادئها ودينها وإنجازاتها...
واجبنا حفظ المقاومة ونكون مرآتها الصادقة والحريصة عليها، فهي التي ضحّت لحمايتنا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل