أقلام الثبات
ازدهر الحديث خلال العدوان "الإسرائيلي" على غزة ولبنان، عن حرب الجيل الخامس عبر تكنولوجيا المعلومات، وكانت لافتة التعليقات على مواقع التواصل في لبنان، عن المقارنة بين الذكاء الاصطناعي والغباء الطبيعي، ودون الحاجة للكثير من الذكاء نستنتج، أن تركيبة السلطة في الدولة اللبنانية، مارست على مدى ثلاثة عقود على الأقل "صناعة التذاكي" بالكذب على نفسها وعلى العالم بأسره، مع شيء من عمى شعبي في البصر والبصيرة وغباء طبيعي في الاعتقاد، أن بعض زعماء الميليشيات من مصلحتهم بناء دولة.
في قراءة عن استثمار "إسرائيل" بالأجيال الأكاديمية لديها، والأموال التي تنفقها على مشاريع الأبحاث في الجامعات لتطوير أفكار الذكاء الاصطناعي، وتأمين تمويل الطلاب لاحقاً في مشروعات فردية أو جماعية، لم نجد مصطلحاً مختصراً للذكاء الاصطناعي الذي غزا بلاد الكون - ما عدانا - سوى أنه "تفعيل دمج نتائج محركات البحث"، بما يعني أن الكفاءات الأكاديمية اللبنانية التي رفعت شعلة العلم في بلدان الآخرين، لا تقل جدارة عن سواها، وهاجرت وتهاجر منذ ما قبل عصر الذكاء الاصطناعي، هرباً من دولة "صناعة التذاكي"، التي ما زالت تتمسك بتراث قدموس، وتوقفت عن النمو عند زمن قدموس.
البعض في الداخل اللبناني يرغب بتبرير فشل إسرائيل بالدخول البري لغاية الآن، أنها غير مُلزمة بالدخول ما دامت تستطيع بلوغ أهدافها عن بُعد، ويعطون أمثلة عن عمليات أجهزة ال Pagers والاغتيالات التي تَلَتها، والقدرات التجسسية المختلفة التي مكَّنتها من تحقيق بنك الأهداف دون الحاجة للاحتلال البري، لكن حسابات هؤلاء لا تتماهى مع التصريحات المُعلنة لتيارات أقصى اليمين في "إسرائيل" التي تعتبر أراضي الجوار الفلسطيني جزءاً من "إسرائيل الكبرى".
ولسنا بوارد الدخول في سجالات عقيمة حول مسألة "إسناد غزة"، كونها جدلية جديدة على الساحة السياسية في لبنان، ونبقى في واقعنا الحالي الذي ينتظر تطبيق القرار 1701، أو 1701+، لندخل في جدلية جديدة أن القرار 1701 يشمل معه القرار 1559، ويتناول وجوب تطبيق اتفاق الطائف، وبمجرد تطبيق الطائف تُحَلّ كل مشاكل "السلاح غير الشرعي"، ومن ضمنه سلاح المقاومة الذي شرًّعته كل الحكومات السابقة ضمن المعادلة الثلاثية للجيش والشعب والمقاومة.
ما بقيت المقاومة في البيانات الحكومية بعد العام 2006 من أجل معركة "إسناد غزة"، وتطبيق القرار 1701 يتناقض مع حقوق لبنان في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع، وهذه الحقوق عالقة بذريعة ضرورة ترسيم الحدود مع سوريا، فمَن من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين عمِل من أجل ترسيم الحدود مع سوريا، والبعض قاطع سوريا منذ بداية "الربيع العربي"، وما زالوا لغاية اليوم في مقاطعة غبية مع سوريا، رغم أن ملف النازحين السوريين قد خنق لبنان، قبل أن يختنق الآن بالنازحين اللبنانيين.
آخر مؤشرات صناعة التذاكي لهذه السلطة، تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية لما بعد انتهاء العدوان، ولما بعد الانتخابات الأميركية، علماً أن أزمة التوافق على رئيس قائمة من قبل العدوان، واستهلكت أكثر من نصف ولاية الرئيس الأميركي الحالي، ونبقى في دوامة البيضة قبل الدجاجة أو بعدها، في ظل دعوات شعبية ما زالت حتى الآن خافتة، تدعو الجيش اللبناني لاستلام زمام الأمور، وهذا ما يتعارض مع ديمقراطية دولة مُصرَّة على التذاكي، هذا الجيش الذي يعتبر المؤسسة الوحيدة الحائزة على ثقة اللبنانيين، ويتحمل ما لا يُحتمل من المسؤوليات، في الوقت الذي ما زال محظوراً تسليحه -أميركياً- بأكثر من النواضير والبنادق وناقلات الجُند.
لن نُقارب الميدان ونتركه لأهل الميدان، ويكفيه ما يكفيه من المحللين العسكريين والإستراتيجيين، ولكن لنفترض أننا وصلنا إلى وقف إطلاق النار لتطبيق القرار 1701 مع احتمالية إضافة (+) إليه، فهل هذا يعني فرضية تطبيق القرار 1559؟ كلا، ونقولها بكل ثقة، لأن هكذا سلطة هي كيان غير واثق وغير موثوق، والقرار 1559 مرتبط بترسيم حدود مع سوريا وبأمم متحدة من جهة، ومن جهة أخرى وهي الأهم، مسألة سلاح المقاومة، دون أية استراتيجية دفاعية على طاولة حوار، مع جماعة تتحدث عن وجوب تسليمه إلى الدولة وكأنه مجموعة "بواريد صيد"، ويستمر المُتذاكون في طرح النظريات، والبلد على صفيح العدوان، وربع الشعب بات نازحاً، وليست الأمور في مسألة "إسناد غزة"، بل نحن أمام خارطة شرق أوسط جديد، حيث الممر الهندي بديلاً عن طريق الحرير، مع تغيير حدود كيانات وخلق كيانات، وكيف ننام على حرير في لبنان مع سلطة من سلطويين تقبع خلف أسوار "القسطنطينية" في جدالٍ لا ينتهي، وآخره التمديد للواء عماد عثمان في قوى الأمن، مقابل التمديد للعماد جوزف عون في قيادة الجيش!