"الرينجرز" .. الإنكليز قادمون!  ــ عدنان الساحلي

الجمعة 13 أيلول , 2024 10:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

سبق أن كتبت في 10-11-2023، تحت عنوان: "تكامل الأدوار أخطر من التطبيع"، مقالة نقلت فيها عن صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن المئات من قوات النخبة البريطانية يتدربون في لبنان بحجة "إنقاذ البريطانيين المحاصرين في منطقة الحرب بالشرق الأوسط".
وقالت الصحيفة إنه "من المتوقع أن تقوم وحدة قوات رينجرز التابعة للجيش البريطاني بعملية جسر جوي إلى جانب القوات الجوية الملكية، لإنقاذ البريطانيين المحاصرين في غزة"، و"إن الخطط التفصيليّة تظل سريّة لضمان وجود عنصر المفاجأة، حيث إن هناك خطراً من أنّ يتم أخذ البريطانيين في دول مثل لبنان، كرهائن من قبل حزب الله".
ونقلت الصحيفة عن رئيس الأركان العامة للجيش البريطاني؛ الجنرال باتريك ساندرز، قوله أمام لجنة الدفاع بمجلس العموم "إنّ وجود القوات البريطانيّة بالقرب من إسرائيل يهدف أيضاً إلى ردع إيران عن الدخول في الصراع مباشرة".

وبعد عملية "طوفان الأقصى" البطولية، التي نفذها المقاومون الفلسطينيون، انطلاقاً من غزة، كانت بريطانيا من أبرز الدول الغربية، بعد الولايات المتحدة، التي أرسلت حاملة طائرات وبوارج حربية إلى منطقة شرق المتوسط للدفاع عن "إسرائيل"، ومنع أي قوة أو دولة من استغلال الفرصة لتوجيه ضربة لها.

ولأن قضية الوجود العسكري البريطاني جدية ويعمل على تنفيذها، لم يصدر أي نفي أو توضيح لما كتب حينها، من قبل قيادة الجيش اللبناني، بل إن الأخطر، أن الحديث جار عن وجود مشروع مذكرة تفاهم بين بريطانيا، ممثلة برئيس أركان القوات المسلحة البريطانية والجيش اللبناني، ممثلاً بالعماد جوزيف عون، تهدف إلى تأمين لبنان الدعم للسفن والطائرات والآليات والأجهزة والذخائر والأسلحة والجنود البريطانيين، عند نشرهم على الأراضي اللبنانية، لأهداف "غير تدريبية"، وأبرز التقديمات، تسهيل استخدام المرافق اللبنانية من دون حاجة الجنود البريطانيين إلى تأشيرة دخول واعفائهم من الرسوم الجمركية. وتحدد المذكرة عدد كل وحدة مشاة بحوالى 250 جندياً، و40 جندياً لطاقم الدعم الطبي، و40 لطاقم الدعم اللوجستي، من دون تحديد عدد الوحدات التي سيتم نشرها. وتعفي المذكرة جنود بريطانيا إذا ارتكبوا جناية ما، من الملاحقة في لبنان، فالأولوية لنقلهم ومحاكمتهم في بريطانيا.    

وبحسب ما نشر في الإعلام اللبناني، فإن المسوّدة الجديدة تسلّمتها الخارجية اللبنانية من السفارة البريطانية في أيار الماضي، وأرسلتها إلى الجيش الذي يفترض أن يقوم بدراستها.
يأتي ذلك في مرحلة يحرص فيها البريطانيون على الوجود عسكرياً على الأراضي اللبنانية، بحجة تدريب الجيش اللبناني وبناء حوالي 80 برجاً للمراقبة على الحدود مع سورية، بحجة محاربة التكفيريين، لكنها في الواقع تهدف للتجسس على سورية، وعلى أعمال نقل اسلحة المقاومة منها إلى لبنان. وتطرح بريطانيا أفكاراً لبناء أبراج مماثلة في الجنوب، على الحدود مع فلسطين المحتلّة، في وقت يعزز الجيش البريطاني وجوده في الأردن وقبرص، وليس حدوث ذلك مصادفة مع حرب الإبادة الصهيونية ضد أهالي غزة الفلسطينية، ولا مع اشتعال الحرب الأوكرانية ـ الروسية، فبريطانيا جاهزة للقتال ضد كل من يقاتل "إسرائيل"، كما أنها تدعم أوكرانيا بقوة ضد روسيا.

ووفق أوساط عسكرية، فإن هذه المذكرة ترقى إلى مستوى معاهدة أمنية بين دولتين، لا يجوز أن يوقعها موظف، ولا يمكن إقرارها من دون موافقة الحكومة، بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، وحتى قائد الجيش لا يجوز له التفرد بإبداء الرأي فيها، في ظل الفراغ الحاصل في المناصب العسكرية العليا، والخلافات الناشبة حول التعيينات فيها.

أما "جماعة السيادة والاستقلال"، فقد خسروا مصداقيتهم تماماً، وما تخرصاتهم عن وجود "احتلال إيراني" غير موجود بالفعل، إلا تبريراً لعقد مثل هذه المذكرات، بل إن سعيهم لإيصال رئيس جمهورية معادٍ للمقاومة، أحد أهدافه إقرار مثل هذه المذكرات والمعاهدات.

وهذه المذكرة، في حال إقرارها، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن البعض في لبنان يضعه في الموقع "الإسرائيلي"، من حيث الدور والمهام والخدمات التي يقدمها لحلفاء "إسرائيل"، فالولايات المتحدة أعلنت جهاراً، هي وبريطانيا وعدد آخر من الدول، تبنيهم الكامل للجرائم "الإسرائيلية" بحق الشعب الفلسطيني، واعتبارهم الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين ولأراض عربية، وقتله وتنكيله بكل من يمارس المقاومة المشروعة للاحتلال "دفاعاً مشروعاً عن النفس"، وتلك الدول ألغت المسافة المفترضة بينها وبين العدو "الإسرائيلي"، وقالت إنها هي "إسرائيل" و"إسرائيل" هي، فهل هناك شك في أن من يضع لبنان في هذا الموقع ويدفعه لهذا الدور، يفرّط بكل القيم والمبادئ وبالدستور، الذي يؤكد أن "إسرائيل" عدوة، مما يستوجب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى.

فما يجري هو جريمة موصوفة بحق لبنان واللبنانيين، وبحق الشهداء الذين سقطوا بالمئات والآلاف، حتى تحررت معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال "الإسرائيلي"؛ وما يزال اللبنانيون يشيعون زهرات شبابهم يومياً؛ وهم يتساقطون في كل يوم على الحدود الجنوبية، بمواجهة العدوانية "الإسرائيلية"، فمن يحاسب من يخون الوطن والشهداء بمثل هكذا اتفاقيات؛ ويبيع البلاد برزمة دولارات، أو بوعد بمنصب هنا وبدور هناك، علماً أن السفارة البريطانية سبق أن أعلنت أن بلادها خصصت أكثر من 99 مليون جنيه إسترليني، منذ العام 2009 لدعم تحسين قدرات الجيش اللبناني. فهل إلى هذا الدرك وصل بعض المسؤولين اللبنانيين، ليصبح سعر بلدهم بهذه القيمة، بعد أن أصبح دعم راتب الجندي بمائة دولار، إنجازا عظيماً للأميركيين ولكل من تأمره أميركا بالدفع نيابة عنها، بفضل الحاكمين الفاسدين في لبنان، الذين جوعوا الجيش؛ وخضعوا للإرادة الأميركية بمنع تسليحه ومنع أي مساعدة تقدم له، من غير الطريق الأميركي؟

وهنا تجدر الإشارة إلى حال التجاهل العام، للتسهيلات العسكرية التي توفرها السلطات اللبنانية للأميركيين، في القواعد العسكرية الجوية اللبنانية وفي مختلف ثكنات الجيش، التي لا يغيب عنها المستشارون الأميركيون. فيما تحول مطار حامات إلى قاعدة عسكرية أميركية بكل ما للكلمة من معنى. في وقت يجري فيه تحويل السفارة الأميركية في عوكر، إلى مدينة عسكرية أميركية تشبه المنطقة الخضراء في بغداد، فهي تتكون من مبانٍ ضخمة تمتد على مساحة واسعة، بنيت بأيد عاملة أميركية. ومنع دخول عمال لبنانيين أو عرباً إليها.

وهناك وقائع عن الوجود العسكري والأمني الأميركي في لبنان، تحتاج إلى صفحات لشرح تفاصيله وتفنيد عديده ومهامه. كل ذلك مقابل دعم عيني للجيش لا يتجاوز المائتي مليون دولار سنوياً، من الأسلحة والآليات المستعملة، التي أحالها الجيش الأميركي إلى التقاعد، بعدما تخطاها الزمن وأصبحت خردة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل