كي لا تكون عباءة بكركي خيمة لاجئين ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 10 أيلول , 2024 12:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يًدرِك أي لبناني مُتابع، منذ بداية تسعينات القرن الماضي حتى اليوم، أن كل لبناني بشكلٍ عام، أو مسيحي بشكلٍ خاص، يحرَد من حزبه أو من جماعته يلجأ الى بكركي، ليتدثَّر بعباءة البطريرك، ويُلقي كلمة على منبر الصرح.
وقد "ازدهرت" سياسة "حائط المبكى" هذه في زمن البطريرك الراحل المرحوم مار نصر الله بطرس صفير، ويستكملها البطريرك الراعي حالياً، رغم أن بكركي لها هالتها المعنوية فقط، وهي صورة مصغرة جداً عن هالة الفاتيكان في عالمٍ باتت فيه السلطة للأقوى والأقدر.

مشكلة بكركي أنها باتت مقصداً للكثير من الشرائح اللبنانية، نتيجة غياب الدولة وانشغال الطبقة السياسية بنفسها، ورغبة البطاركة والمطارنة في العمل بالسياسة، لكن زائر بكركي لا يملك سوى الوقوف أمام "حائط المبكى" ويأتيه الجواب من البطريرك: "إننا نصلِّي ونسأل ونتضرَّع"، لأن بكركي لا تملك في الزمن الحاضر سوى هذه الإجابة، عندها يتعمَّد الزائر قبل مغادرة الصرح، الوقوف على المنبر الخارجي وتوجيه الرسائل، بما يمتلك من وسائل الهجوم، وأحياناً نشر غسيل الخصوم، رغم أن هذا الفلتان من على درج الصرح يسلب ما بقي لبكركي من موقعٍ كان اسمه "مجد لبنان".

فور الإعلان عن نية النواب الأربعة المستقيلين والمُقالين من التيار الوطني الحر زيارة بكركي، سارعت بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى تناول الزيارة من منطلق فكاهي إن لم نقُل تهكمي، أن هؤلاء النواب سيكونون نواة "حزب البطرك"، رغم أن المسيحيين يعانون من تُخمة الأحزاب، وهذه التخمة ما هي سوى دليل تشرذم وتمزُّق، ليس على المستوى الطائفي بل الوطني، وهُم بغنى عن المزيد من جرعات التحزُّب، خاصة أن البطرك العاجز عن جمع قادة الأحزاب المسيحية على "قربانة" أو على فنجان قهوة، لا يمتلك الحيثية الشعبية التي تسمح له بدعم حزب أو كتلة نيابية، فيما الشعب ينتظر منه الرعاية الاجتماعية ومحاكاة الوجع المعيشي، لا أن يحمل عليه عصا الرعيان لعدم وجود قطعان.

ثم ما هي نواة أية كتلة نيابية تستطيع بكركي تشكيلها، ستواجه من بداية تكوينها في "الرحم الافتراضي" نواب باقي الأحزاب المسيحية والطوائف الأخرى؟ لذلك، يُستحسن تجاهل هذا النوع من الفرضيات، في بلدٍ يعيش مرحلة "الوطن الافتراضي" والدولة المُفترضة، خصوصاً أن الوضع المسيحي اليوم أسوأ مما كان عند تأسيس "لقاء سيدة الجبل" عام 2000 و"قرنة شهوان" عام 2001 بهدف دعم خطاب البطريرك الماروني وقرارات مجمع الأساقفة الموارنة، وكان المطران المرحوم يوسف بشارة ممثلاً لبكركي، بل مشرفاً منتدباً منها على أعمال "سيدة الجبل" و"قرنة شهوان"، فباتت لقاءات سيدة الجبل حالياً نُعقد على مستوى سياسيين درجة رابعة، وقرنة شهوان باتت طيّ النسيان.

المأزق الأكبر في دور بكركي على المستوى الوطني، أن السيد بهاء الدين الحريري عينُه عليها، وهو في إطلالة مع الإعلامي طوني خليفة على قناة "المشهد" منذ نحو شهر، أعلن أنه يؤمن بالشراكة الثنائية الإسلامية - المسيحية مع بكركي، كما كانت في زمن المرحوم والده والمرحوم البطريرك صفير، وأنه يرفض أي اتفاقٍ رباعي، سواء كان سياسياً أو انتخابياً، في تلميحٍ إلى الرباعي السني الشيعي المسيحي الدرزي، رغم أن أبسط استشارة يحتاجها السيد بهاء الحريري - وهو المغترب عن الواقع اللبناني - أن الزمن لن يعود إلى الوراء، ولم يعُد بإمكانه الحديث عن ثنائية، يكون فيها السني والشيعي والدرزي طرفاً مسلماً واحداً مقابل المسيحي كطرف آخر، لأن البلد الذي سادته أجواء الرباعية قد يتجه إلى السداسية، لا الى الثنائية.

هذه المعطيات التي تؤكد الواقع الجديد في لبنان، حتى قبل العدوان على غزة وانغماس المقاومة في لبنان بها، هي التي حالت وتحول دون استكمال السيد بهاء الحريري خطوته نحو إعلان تأسيس "تيار المسار"، على قاعدة الثنائية الإسلامية المسيحية، ورغم بعض اللقاءات التي يعقدها مسؤولون عن مكتبه في بيروت مع وفودٍ شعبيّة، إلا أنّ مصادر متابعة تُؤكّد أنه لم يحدد لفريقه موعداً مُحدّداً لعودته إلى بيروت، بعدما كان أبلغهم سابقاً بأنه سيعود في بداية أيلول الجاري بعد جولة تقييم شاملة لزيارته الأخيرة إلى لبنان.

بناء عليه، وحيث إن ظروف بكركي باتت مغايرة لزمن البطريرك الحويك، إن على المستوى المسيحي أو الوطني، فإن الاستقواء بها يمنحها احترامها المعنوي في قلوب المسيحيين خاصة واللبنانيين عامة، ولكن أن يعتبرها البعض شريكاً في عالم السياسة والحياة الحزبية، فإن زمن العجائب قد انتهى من زمان، وكفى اعتبار عباءة بكركي خيمة للاجئين، ولتكُن "كرسي اعتراف" وتوبة لبعض السياسيين، وفوق الكرسي، تُرفع يافطة "الوصايا العشر"، ولتكن وصية "لا تكذب" أولى الوصايا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل