جمهورية ضحية العنصرية ــ عدنان الساحلي

الجمعة 05 تموز , 2024 01:31 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
  تستمر معاناة اللبنانيين من التجاذب السياسي الحاصل، الذي يمنع منذ قرابة السنتين، إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، يخلف الرئيس السابق العماد ميشال عون، الذي بدوره، مرَ إنتخابه باستعصاء مشابه، دام قرابة السنتين ولم يخرج دخانه الأبيض، إلا بعد أن أيقن أخصامه، أن الحل يأتي عبر التفاهمات والحوارات وليس عبر الرهانات الخاسرة، التي يكررون التعلق بها هذه الأيام.  
وإذا كانت الناس تتعارف على "أن الألمعي يتعلم من أخطاء غيره؛ وأن الذكي يتعلم من أخطائه، لكن الغبي لا يتعلم من أخطائه ولا من أخطاء غيره"، فإن حال الأصوات العنصرية والفئوية في لبنان، هو حال النوع الثالث، فتلك الجهات ما فتئت منذ أكثر من مائة عام ترغي بأن لبنان أنشء من أجلها، على نسق الكيان الصهيوني، الذي يتسبب وجوده في دمار وخراب المنطقة العربية، منذ ثمانية عقود من السنين، لا بل أن تلك الجهات تدعي انها هي التي أنشأت لبنان، فيما يعرف اللبنانيون الف باء نظام المتصرفية العثماني، الذي اقامته الدول الخمس في جبل لبنان، من ضمن مشاريع الغرب في تقسيم وتفتيت إرث دولة الخلافة، التي بدأت عربية - إسلامية لتتحول من ثم إلى عثمانية، ثم ليجري بعدها تركيب "لبنان الكبير" على أيدي جنرالات المستعمر الفرنسي، مثلما جرى في الوقت نفسه، تركيب انظمة ودول ومشيخات، على أيدي جنرالات المستعمر البريطاني، بالتوازي مع إقامة الكيان "الصهيوني" المصطنع في فلسطين، بما يعني أن تلك الجهات العنصرية والفئوية، لم تكن سوى ادوات في ايدي القوى الخارجية، ساعدتها في تفتيت المنطقة وفي منع تطورها وتقدمها، خدمة لمشاريع السيطرة والإلحاق التي مارستها دول الإستعمار القديم، التي ما تزال تمارس سياسة الهيمنة والنهب والإستتباع على مستعمراتها السابقة.
وبدلاً من أن يجري قادة ورموز البلاد في ذلك الزمن وحتى اليوم، مصالحة مع الذات ومع "الشريك" في الوطن، لإقامة دولة المواطنة ونظام العدالة الإنسانية، القابلة للحياة والتطور، تمسكوا بامتيازات ونظريات فوقية، أدت إلى حروب يكتوي اللبنانيون بنارها كل عقد أو عقدين من السنين، إنطلاقا من نظام محاصصة عنصري، يجعل أطرافه المختلفة تستقوي بالخارج لتعديله، كلما تغيرت التوازنات في الداخل أو في الجوار. ويجعل البعض يشهر دعوات التقسيم والفدرلة والإنعزال، كلما شعر هذا البعض أن امتيازاته تتراجع؛ وأن سطوته تضمحل لصالح قوى طائفية مماثلة، فيكون كمن زرع الريح عندما كان قوياً، ليحصد العواصف عندما داهمه الضعف.
والواقع، أن فشل النظام اللبناني، بما هو تعبير عن تحالف زعماء الطوائف، رغم تنازعهم وتقاتلهم على محاصصة الحكم والسلطة؛ وتواطؤهم في الوقت نفسه، في ظلم العباد، مع أصحاب المصارف وكبار التجار، هو الذي يدفع لفتح ملفات هذا النظام، الذي فاحت روائح فساد أركانه، لأنهم اقاموا نظاماً طارداً لشعبه، خصوصاً لجيل الشباب، عبر دفعه للهجرة بحثاً عن لقمة عيش وأمن وأمان في بلاد الله الواسعة؛ وهرباً من تكرار مشهدية التجارة بالأديان والتحريض الطائفي والمذهبي، الذي يشعل حروباً أهلية مفتعلة، كلما أراد هذا الطرف السياسي-الطائفي، أو ذاك، تحقيق هدف أو غاية له، أو للجهة الخارجية التي تدعمه، إقليمية كانت أو دولية، خصوصاً تلك الدعوات والخطابات المقيتة والمتخلفة، التي تسعى لتقسيم بلد هو في واقعه أصغر من محافظة أو من اقليم في بلد معتبر. أو تعمل للإنعزال عن الآخر، تحت شعارات وضيعة مثل "لا يشبهوننا"، أو "لا نريد العيش معهم"، علماً أن هذا الخطاب تكرر مرات ومرات، في الصراع على السلطة، بل وحتى في تقاسم التمثيل والنفوذ في مجالس بلدية. ولم يخدم هذا الخطاب أصحابه، بل كان سبباً في تراجع أدوارهم ونفوذهم. فالأدوات أضعف من أن تعدل ما رسم لها، أو تغير من شعارات كتبها من يسيّرها ويديرها. ولعل الكباش الدائر حالياً حول من يكون رئيساً لجمهورية غير مرئية على خارطة العالم؛ ومن يختار ذلك الرئيس، يكون مناسبة لدفع لبنان خطوة إلى الأمام، ليتحول من دولة عنصريات وفئويات وصراعات تستدعي تدخل القاصي والداني في شوؤنها، إلى دولة مواطنة يكون القرار فيها لشعبها وليس لمندوبي وسفراء الدول المستقوية باساطيلها أو باموالها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل