بياض الإحرام طهارةٌ تُمنَح في عرفة.. وبياض الكفن شرفٌ يُنتزع من بين أنياب الموت في غزة

الخميس 05 حزيران , 2025 08:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

في لحظة تأمل صادقة بين مشهدين متباعدين في المكان، قريبين كل القرب في الغاية والخلود، تقف النفس واجفة أمام بياضين، لا يجمع بينهما لون القماش فحسب، بل ما هو أعمق وأطهر: بياض القلب والنية والمصير.

بياض إحرام عرفة، ذلك البياض الذي يلبسه الحاج عند وقوفه بين يدي ربه في يوم هو أعظم أيام الله، يخلع فيه زينة الدنيا ومتاعها، ويلبي نداء الرحمن: "لبيك اللهم لبيك"، يتضرع، يبكي، يتوسل، فيغسل الله ذنوبه بماء الرحمة، ويمسح على قلبه بمغفرة واسعة. فيعود كما ولدته أمه، طاهرًا، نقيًّا، مغفورًا له.

وفي الضفة الأخرى من العالم، حيث لا هدوء ولا راحة، يتجلى بياض الكفن، الذي غطّى أجساد أطفال ونساء وشباب غزة، تلك الأجساد التي مزّقها العدوان ولم يفلح في تمزيق عزيمتها. هم لم يلبّوا نداء الحج، لكنهم لبّوا نداء الكرامة، دافعوا عن الأرض والعرض، فارتقوا شهداء. وهناك، على بعد السماء من الأرض، ارتقوا بدمائهم الزكية إلى عليين.

بياض الإحرام طهارةٌ تُمنَح، وبياض الكفن شرفٌ يُنتزع من بين أنياب الموت. كلاهما دعوة إلى الجنة، الأولى عبر السجود والدموع، والثانية عبر الصبر والصمود والدماء.

إن من وقف في عرفة، نال مغفرة الله في الدنيا، ومن ارتقى في غزة، نال أعلى مراتب الشهادة، بشهادة من لا ينطق عن الهوى، "فوق كل ذي بر بر حتى يُقتل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بر".

فكيف لا تُقَبّل الأكفان، وقد احتضنت أجسادًا طاهرة قُتلت ظلماً؟ وكيف لا تُفرد الأجنحة لأرواحهم وهي تحلق في الفردوس الأعلى، حيث لا قصف ولا ألم، بل وعد الله الحق: "ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون".

نعم، بياضان يفضيان إلى النعيم: الأول طريقه السلام، والثاني طريقه الصمود، لكن الهدف واحد، والمقام واحد، والمغفرة واحدة، إن شاء الله.

فطوبى لمن طاف قلبه حول الكعبة، وطوبى لمن طاف دمه حول حدود القدس.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل