من النكسة إلى "الطوفان".. بين الهزيمة والنصر

الثلاثاء 03 حزيران , 2025 10:06 توقيت بيروت مقالات مختارة

أقلام الثبات
 
نكسة حزيران 1967 كانت نقطة تحول في تاريخ الشرق الأوسط، شهدت المنطقة تصاعدًا في الخطاب القومي العربي؛ خصوصاً في مصر وسوريا، كما سعت الدول العربية إلى تعزيز موقفها العسكري ضد الاحتلال "الاسرائيلي"، حيث شكلت مصر وسوريا والأردن تحالفًا عسكريًا لمواجهة التهديد الصهيونية، مما زاد من احتمالية اندلاع الحرب.
كما لعبت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، دورًا في تأجيج الصراع عبر دعم الأطراف المتنازعة، في مايو 1967، أغلقت مصر قناة السويس أمام السفن الإسرائيلية، مما اعتبرته إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا دفعها إلى شن الحرب عليها، تكبدت الدول العربية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات العسكرية، مما أثر على قدراتها الدفاعية في السنوات التالية، أدى الاحتلال "الإسرائيلي" لأراضي جديدة إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة، حيث أصبحت القضية الفلسطينية أكثر تعقيدًا.
شكلت النكسة دافعًا للمقاومة الفلسطينية، فظهرت فصائل فلسطينية تبنت الكفاح المسلح كوسيلة رئيسية للمقاومة، مثل حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأثرت على السياسات العربية تجاه إسرائيل، مما أدى لاحقًا إلى حرب أكتوبر 1973وما بعدها من احداث.
اما في الحديث عن معركة "طوفان الأقصى" التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 كانت واحدة من أكبر العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث شملت هجومًا بريًا وجويًا وبحريًا، وتمكنت من اختراق التحصينات "الإسرائيلية" في غلاف غزة، والتي أتت نتيجة لعدة احداث أهمها:
تصاعد الانتهاكات "الإسرائيلية"، حيث شهد المسجد الأقصى اعتداءات متكررة من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال، مما دفع المقاومة إلى الرد.
الحصار "الإسرائيلي" المستمر على غزة أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، ودفع المقاومة إلى اتخاذ خطوات تصعيدية.
التضيق على الاسرى في السجون الصهيونية كان دافعاً للمقاومة كجزء من مساندة الاسرى في معركتهم لانتزاع حريتهم من المحتل.
التحولات الإقليمية: لقد جاءت المعركة في ظل تغيرات سياسية في المنطقة، حيث بدأت بعض الدول العربية في إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل من خلال الحديث عن اتفاقيات التطبيع وما عرف بالاتفاقية الابراهيمية.
أتت نتائج هذه المعركة المفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية على النحو التالي:
تغيير قواعد الاشتباك حيث فرضت المعركة واقعًا جديدًا في الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، كما أظهرت المقاومة قدرة عالية على تنفيذ عمليات معقدة.
التأثير على الرأي العام الدولي وظهور موجة من التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، مما أدى إلى ضغوط سياسية على دولة الاحتلال.
إعادة تقييم الاستراتيجيات العسكرية لقد دفعت المعركة الاحتلال إلى إعادة النظر في استراتيجياته الدفاعية والهجومية، خصوصاً في التعامل مع غزة.
 
اما في مقارنة بين نكسة 1967 وطوفان الأقصى
تمثل نكسة 1967 وطوفان الأقصى نقطتين مفصليتين في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تعكس كل منهما تغيرات جوهرية في العقيدة القتالية والاستراتيجيات العسكرية.
الاختلافات الأساسية بين كلا الحدثين
اولاً طبيعة المواجهة في نكسة 1967، كانت المواجهة بين جيوش نظامية عربية والكيان الصهيوني، بينما في طوفان الأقصى، قادتها المقاومة الفلسطينية منفردة بأساليب غير تقليدية تعتمد على حرب المدن والخلايا العسكرية.
ثانياً النتائج العسكرية، نكسة 1967 انتهت بهزيمة ساحقة للجيوش العربية واحتلال "إسرائيل" لمساحات واسعة، بينما طوفان الأقصى شكل صدمة استراتيجية لإسرائيل، حيث تمكنت المقاومة من اختراق التحصينات الإسرائيلية والسيطرة على مواقع عسكرية لفترة زمنية محدودة.
ثالثاً التأثير على العقيدة القتالية، بعد نكسة 1967، تغيرت العقيدة العسكرية العربية، حيث بدأت الدول العربية في تطوير استراتيجيات جديدة مثل حرب الاستنزاف، بينما طوفان الأقصى أكد على قدرة المقاومة الفلسطينية على إدارة معاركها بشكل مستقل دون الحاجة إلى دعم خارجي.
رابعاً التداعيات السياسية، نكسة 1967 أدت إلى تغييرات سياسية كبيرة في المنطقة، مثل صعود المقاومة الفلسطينية كفاعل رئيسي، بينما طوفان الأقصى عزز خيار المقاومة وأعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية وأجبر الاحتلال على إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية والعسكرية.
خامساً أهمية التخطيط العسكري، أظهرت نكسة 1967 أهمية التخطيط العسكري والاستعداد الجيد، بينما طوفان الأقصى أكد على فعالية الاستراتيجيات غير التقليدية في مواجهة الاحتلال بالإضافة لعنصر المفاجأة.
سادساً دور الإرادة الشعبية، في كلا الحدثين، لعبت الإرادة الشعبية دورًا كبيرًا في استمرار المقاومة، حيث شكلت النكسة دافعًا لحركات التحرر، بينما عزز طوفان الأقصى ثقة الفلسطينيين بقدرتهم على المقاومة وتغيير المعادلات العسكرية.
 
الأثر على المنطقة والاقليم
إعادة تشكيل المشهد السياسي، نكسة 1967أدت إلى تغيير جذري في موازين القوى، حيث عززت إسرائيل موقعها الإقليمي بعد احتلال الضفة الغربية، قطاع غزة، سيناء والجولان، مما جعلها قوة مهيمنة في المنطقة بينما طوفان الأقصى أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، وأجبر "إسرائيل" على إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية والعسكرية، خصوصاً في التعامل مع غزة.
التداعيات الإقليمية والدولية
نكسة 1967دفعت الدول العربية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها العسكرية رغم شعورها بالهزيمة، وأدت إلى حرب أكتوبر 1973، ثم لاتفاقيات هدنة وسلام مع الكيان الصهيوني، كما عززت النفوذ الأمريكي في المنطقة، بينما طوفان الأقصى أدى إلى تصاعد التوترات الإقليمية، حيث تفاعلت قوى المقاومة (حزب الله في لبنان وأنصار الله "الحوثيين" في اليمن والحشد الشعبي وفصائل أخرى في العراق) والى جانبهم إيران مع الأحداث، مما عزز مفهوم وحدة ساحات المواجهة ضد الاحتلال.
إعادة رسم خارطة المنطقة
بعد نكسة 1967 فرضت "إسرائيل" واقعًا جديدًا من خلال الاستيطان والاحتلال، مما أدى إلى تغييرات ديموغرافية وسياسية طويلة الأمد، لكن بعد طوفان الأقصى كشفت المعركة عن نقاط ضعف "إسرائيلية" غير مسبوقة، مما قد يؤدي إلى تغييرات في التحالفات الإقليمية والدولية، خصوصاً مع تصاعد الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية.
 
اما في الجانب المعنوي فقد كانت نكسة حزيران 1967 صدمة قاسية للشارع العربي، حيث شعر الناس بالهزيمة ليس فقط عسكريًا، ولكن أيضًا نفسيًا ومعنويًا. فقد انهارت الجيوش العربية خلال أيام قليلة، واحتلت إسرائيل مساحات واسعة، مما أدى إلى فقدان الثقة في القيادات السياسية والعسكرية, ما اشعر المواطن العربي بالإحباط والعجز أمام التفوق الإسرائيلي، وبدأت موجة من النقد الذاتي والتساؤلات حول أسباب الهزيمة, وعليه كانت النكسة ضربة موجعة للمشروع القومي العربي الذي قاده جمال عبد الناصر، حيث فقدت الشعوب الأمل في تحقيق الوحدة والانتصار الا انه رغم الإحباط، كانت النكسة دافعًا لظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة، حيث بدأت الفصائل الفلسطينية في تنظيم عمليات ضد الاحتلال، مما شكل بداية مرحلة جديدة في الصراع.
على النقيض من ذلك، شكلت معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 لحظة فارقة في الوعي العربي والإسلامي، حيث أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الشعبي والدولي، حيث أظهرت المعركة قدرة المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عمليات نوعية أربكت الاحتلال، مما عزز ثقة الشعوب بإمكانية تحقيق إنجازات على الأرض, كما شهدت بعض الدول العربية والإسلامية والغربية موجات تضامن واسعة، حيث خرجت مظاهرات في مختلف العواصم دعمًا لفلسطين، مما أعاد القضية إلى الأولويات السياسية والشعبية, فبعد عقود من الشعور بالعجز، جاءت المعركة لتؤكد أن الاحتلال ليس قوة لا تُهزم، وأن المقاومة قادرة على فرض معادلات جديدة في الصراع.
 
تأثير طوفان الأقصى على مستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة
معركة طوفان الأقصى شكلت نقطة تحول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي والعسكري، وأثرت على موازين القوى في المنطقة.
اولاً إعادة القضية الفلسطينية إلى الأولويات الدولية
قبل المعركة، كانت القضية الفلسطينية تعاني من تراجع في الاهتمام الدولي، خاصة مع انشغال القوى الكبرى بأزمات مثل الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الأمريكية الصينية، فبعد المعركة، تصاعدت موجات التضامن العالمي، وخرجت مظاهرات في العديد من الدول، مما أجبر الحكومات على إعادة النظر في سياساتها تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
ثانياً تغيير استراتيجيات المقاومة
أثبتت المعركة قدرة المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عمليات نوعية أربكت الاحتلال، مما دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والهجومية, كما عززت المقاومة من تكتيكاتها العسكرية، حيث استخدمت أساليب جديدة مثل الهجمات المركبة والتسلل خلف خطوط العدو، مما فرض واقعًا جديدًا في المواجهة.
ثالثاً تأثيرها على التحالفات الإقليمية
أدت المعركة إلى تصاعد التوترات الإقليمية، حيث تفاعلت قوى المقاومة في لبنان واليمن والعراق مع الأحداث، مما عزز مفهوم وحدة ساحات المواجهة ضد الاحتلال, ما دفع بعض الدول العربية إلى إعادة النظر في مسار التطبيع مع "إسرائيل"، حيث أصبحت القضية الفلسطينية أكثر حضورًا في الخطاب السياسي العربي.
رابعاً تداعيات اقتصادية وأمنية على الكيان
تعرض الاقتصاد الصهيوني لضربات قوية نتيجة المعركة، حيث تراجعت الاستثمارات الأجنبية، وازدادت المخاوف الأمنية داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث كشفت المعركة عن نقاط ضعف غير مسبوقة في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، مما قد يؤدي إلى تغييرات في العقيدة العسكرية الإسرائيلية مستقبلاً.
تأثير طوفان الأقصى على مستقبل الكيان الصهيوني في المنطقة
اولاً تراجع الهيمنة العسكرية والأمنية
كشفت المعركة عن نقاط ضعف غير مسبوقة في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، حيث تمكنت المقاومة من اختراق التحصينات الإسرائيلية، مما أثار تساؤلات حول جاهزية الجيش الإسرائيلي، أدى ذلك إلى فقدان الثقة الداخلية في القيادة العسكرية، كما تعرضت حكومة العدو لانتقادات واسعة بسبب فشلها في منع الهجوم المفاجئ.
ثانياً التأثير على الاقتصاد والاستثمارات
تراجعت الاستثمارات الأجنبية في الكيان نتيجة حالة عدم الاستقرار الأمني، حيث انسحبت العديد من الشركات العالمية من السوق الإسرائيلي خوفًا من تصاعد التوترات، كما انخفضت قيمة الشيكل، وازدادت المخاوف الاقتصادية بسبب ارتفاع تكاليف الحرب وإعادة بناء المناطق المتضررة.
ثالثاً العزلة الدولية وتراجع الدعم السياسي
بعد المعركة، شهدت إسرائيل تراجعًا في الدعم الدولي، حيث بدأت بعض الدول في إعادة النظر في علاقاتها معها، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات للمجازر ولانتهاكات حقوق الإنسان في غزة، والغاء بعض الدول صفقات الأسلحة مع دولة الاحتلال، كذلك توقفت بعض الجامعات والمؤسسات الأكاديمية عن التعاون معها، مما أثر على مكانتها الدولية.
رابعاً تصاعد المقاومة الإقليمية
عززت المعركة مفهوم "وحدة الساحات"، من فلسطين الى لبنان واليمن والعراق مما زاد من الضغط العسكري على الكيان الصهيوني، أدى ذلك إلى تصاعد المخاوف الإسرائيلية من توسع المواجهة إلى جبهات أخرى، مما قد يفرض تحديات أمنية طويلة الأمد، الى جانب ذلك الصمود الأسطوري للمقاومة في غزة بوجه آلة الحرب الصهيونية رغم الزحف البري والدمار الهائل للقطاع وثباتها في عملية التفاوض.
 
وبناءً على ما تقدم استطاعت معركة طوفان الأقصى من أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة من تاريخ القضية الفلسطينية، ومستقبل المنطقة بشكل عام، وتحدث تحولات كبيرة ومتغيرات في المنطقة، كما انها اعادت للأذهان قضية الحق الفلسطيني خاصة في الدول الغربية، التي كشفت زيف الدعاية الصهيونية، فرغم والدمار ووحشية العدوان وبشاعة مجازره الا ان العقيدة والتاريخ والاحداث تثبت أننا في مرحلة مفصلية وأن هذا الكيان يعيش أيامه الأخيرة، ونحن على مسافة باتت قصيرة جداً من تحقيق وعد الله بتحرير المسجد الأقصى وكل فلسطين.

حمزة حسين


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل