أقلام الثبات
السعودية وفرنسا تتجهان معاً الى الأمم المتحدة بورقة مشتركة للمؤتمر المرتقب لحلّ الدولتين، والمقرَّر عقده في الثلث الثاني من حزيران الجاري على امتداد ثلاثة أيّام في أروقة الأمم المتّحدة، نتيجة تقارب استراتيجي جديد بين السعودية وفرنسا، ثمرة جهود شخصية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصفتهما مؤسِّسَين لهذا المؤتمر ومشاركَين فيه بصفة رئيسَين له، ما يؤكد ثبات المملكة السعودية على موقفها من القضيّة الفلسطينية، انطلاقاً من مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام 2002 لحلّ الدولتين.
قرابة ربع قرن بين قِمَّة بيروت والمؤتمر المزمع عقده بعد أيام في الأمم المتحدة والعنوان واحد: حلّ الدولتين، مع فارق كبير في الظروف، لجهة المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة الذي انسحبت منه عام 2005 تحت وطأة صواريخ من صناعة ورش الحديد في القطاع، لتعود إليه مدمراً بالحديد والنار عام 2024، ولتبحث في العام 2025 عن "اليوم التالي" لنحو مليونين ومئتي ألف فلسطيني يرفضون مغادرة الخيم البلاستيكية إلى أي مكان في العالم رافضين أي وطن بديل عن خيمة على رمال غزة.
وقد يقول قائل، إن مؤتمر حل الدولتين هذا نهايته الفشل في أروقة الأمم المتحدة، رغم إقرار رسمي من نحو 150 دولة بوجوب قيام دولة فلسطين، لأن أميركا بالمرصاد لكل مَن يحاول المسّ بمصالح "دولة إسرائيل"، وهذه الفرضية صحيحة مئة بالمئة، لكنها على الأقل، إعلان سعودي لا بل عربي بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني ما لم يقترن بوجوب قيام دولة فلسطينية، كما أن هذا المؤتمر إعلان فرنسي باتخاذ مبادرة لإنعاش السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط ومحاولة استعادة عزّ "الديغولية".
وقد يقول آخر، أن أي عمل من على منبر الأمم المتحدة لا جدوى منه، لأن "إسرائيل" تعيش مرحلة "فائض العربدة" في فلسطين وسوريا ولبنان، ولكن ما يحصل في سوريا ولبنان كدولتين من محور المقاومة يرتبط بالمفاوضات الإيرانية - الأميركية، لكن ما يحصل في فلسطين المحتلة وفي قلب الكيان الصهيوني دليل على أن هذا القلب ليس سليماً ولن يكون، وأن نتانياهو يتربَّع على عرش دولة مفككة يهجرها المستوطنون الى أوروبا وأميركا دون عودة، ومطار بن غوريون الذي اعتاد زحمة في قاعات الوصول مع مطلع كل صيف، تحولت الزحمة فيه إلى قاعات المغادرة بصورة غير مسبوقة، وجواب المغادرين هو هو: لم تعُد "إسرائيل" آمنة للشعب اليهودي.
لا ننكر أن محور المقاومة قد تلقى ضربة كبرى من فلسطين المحتلة إلى لبنان وسوريا واليمن، ولكن الانتصارات التي حققها العدو الصهيوني بدعم أميركي وغربي مباشر لم تبلغ مرحلة تحقيق الأهداف لغاية الآن، سيما أن العجز عن وضع خطط "اليوم التالي" باءت جميعها بالفشل، بما فيها خطة ترامب لتهجير أبناء القطاع.
وحتى على مستوى السيطرة على قطاع غزة المُدمَّر بالكامل، يجد رئيس أركان العدو ومعه بضعة ضباط استخبارات وضباط متقاعدين، أنه لا مصلحة للجيش بالانتشار في غزة نتيجة وجود المقاومة في الأنفاق، وأن على نتانياهو إيجاد السبل الأخرى للاختراق الميداني.
وجدها نتانياهو، وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية الخميس الماضي، عن تسليحه لعصابات في غزة بهدف إحداث الفوضى ومواجهة حركة حماس.
وأقرّ مسؤولون "إسرائيليون"، بدعم حكومتهم لعصابات في القطاع، وذكرت "هيئة البث العامة"، أنه تم تسليح العناصر بأسلحة كلاشنيكوف، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة نُفِّذت بموافقة نتنياهو، ولكن من دون علم وزراء حكومته.
وفي هذا السياق، فجّر رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان فتيل هذه القضية، وقال إن "الأسلحة تصل إلى مجرمين ينتمون إلى داعش، بأوامر من نتنياهو. ولم ينفِ نتنياهو الادعاءات عن التسليح، وقال بيان صادر عن مكتبه: تعمل "إسرائيل" على هزيمة حماس بطرق مختلفة، بناءً على توصية جميع رؤساء الأجهزة الأمنية.
خطوة نتانياهو ليست مستغربة، لأنه حاول على مدى 600 يوم من العدوان على غزة، جذب شيوخ العائلات والقبائل لتسليمهم شؤون القطاع في مرحلة ما بعد حماس، لكنه فشل في استقطابهم، ولجأ مؤخراً إلى دعم مجموعة في غزة يقودها المدعو ياسر أبو شباب، لكن مصادر ميدانية أكدت لـ"الشرق الأوسط" أنه ليس محسوباً على "داعش"، وأنه كان متهماً بقضايا جنائية ومعتقلاً على خلفيتها لدى شرطة حماس، وأن دور هذه المجموعة شبيه بأدوار "المُستعربين" في الضفة الغربية، ولجوء نتانياهو لتشغيلهم ما هو سوى عجز "إسرائيلي" عن مواجهة مباشرة في القطاع.