السعودية تعتمد على الدولار الأميركي مقابل مبيعاتها النفطية.. إلى متى؟

الخميس 20 حزيران , 2024 10:29 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

هل قرّرت المملكة العربية السعودية عدم تجديد الاتفاق الذي عقدته مع الولايات المتحدة الأميركية بحصر مبيعات النفط السعودي بالدولار الأميركي؟ تكثر هذه التكهنات بعدما انتهى الاتفاق الذي عقد في التاسع من حزيران/يونيو 1974 بين الملك فيصل بن عبد العزيز من جهة وإدارة الرئيس ريتشارد نيكسون ممثلة بوزير خارجيته هنري كيسنجر من جهة أخرى. 

اتفاقية البترودولار 

شكّلت هذه الاتفاقية العمود الفقري لصعود الهيمنة الأميركية في العالم بدءاً من النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن الماضي، إذ إنها منحت الدولار الأميركي دعامة مادية بديلة من الذهب الذي كانت إدارة نيكسون قد فكّت الارتباط به عام 1971 نتيجة حاجتها إلى السيولة المالية للإنفاق على حربها في فيتنام التي كانت تستنزف الخزينة الأميركية، علماً أن فك الارتباط هذا كان يخالف تعليمات وقواعد اتفاقيات بريتون وودز الموقعة عام 1944، والتي كانت تشترط طبع العملة الأميركية بما يوازيها من قيمة من موجودات الذهب في فورت نوكس. 

جاءت اتفاقية ربط مبيعات النفط بالدولار الأميركي، والتي أطلقت مصطلح البترودولار، في أعقاب أزمة النفط عام 1973، ونصت على أن تقوم المملكة العربية السعودية بتسعير صادراتها النفطية بالدولار الأميركي حصراً واستثمار فائض عائداتها النفطية في سندات الخزانة الأميركية. 

في المقابل، قدمت الولايات المتحدة الدعم العسكري والحماية للمملكة. وقد ساعد ذلك الدولار الأميركي على تعزيز مكانته كعملة احتياطية في العالم، وبشر بعصر من الرخاء للأميركيين، إذ استمتعوا بفوائد كونهم السوق المفضل للشركات العالمية لبيع بضائعهم. إضافة إلى ذلك، أدى تدفق رأس المال الأجنبي إلى سندات الخزانة الأميركية إلى دعم أسعار الفائدة المنخفضة وسوق السندات القوية.

مكاسب الرياض وواشنطن من الاتفاقية 

بعد الاتفاق، وجدت العديد من الدول، بما فيها الاتحاد السوفياتي، نفسها مضطرة إلى بيع نفطها بالدولار الأميركي الذي تعززت قيمته نتيجة الطلب المتزايد عليه، ما مكّن واشنطن من تمويل آلتها العسكرية عبر طبع العملة، ما كان يعطيها الأفضلية في سباق التسلّح، مستنزفة بالتالي الاقتصاد السوفياتي، دافعة إياه إلى الانهيار في الثمانينيات، ما أدى إلى انتصارها في الحرب الباردة ودفع كتلة الدول الاشتراكية إلى الانهيار عام 1989، ليليها انهيار الاتحاد السوفياتي نفسه عام 1991. 

في مقابل منح المملكة حليفتها الولايات المتحدة هذه الهدية الاستراتيجية، فإنها نالت في المقابل امتيازات تضمن أمنها، إذ تم إنشاء لجان مشتركة للتعاون الاقتصادي والاحتياجات العسكرية للمملكة العربية السعودية.

في ذلك الوقت، كان المسؤولون الأميركيون يأملون أن يشجع ذلك المملكة العربية السعودية على إنتاج المزيد من النفط وتعزيز دورها الميهمن في العالم العربي على حساب الدول العربية التقدمية المعارضة للهيمنة الأميركية. هذا جعل العقود الخمسة الماضية عقود صعود النفوذ السعودي في العالمين العربي والإسلامي مع ما رافقه من صعود لتيارات الإسلام السياسي على حساب التيارات اليسارية والقومية. 

في التاسع من حزيران/يونيو 2024، كان من المفترض أن ينتهي أجل هذا الاتفاق بالتوازي مع التحولات الدولية التي تشهد صعود القوى الدولية الرافضة للهيمنة الأميركية، وعلى رأس هذه القوى كل من روسيا والصين اللتين أطلقتا منظمتي شنغهاي للتعاون وبريكس، مع نية الأخيرة إطلاق عملة تجعلها تستغني عن الدولار الأميركي، وهو ما تمّ إدراجه على رأس جدول أعمال المنظمة التي ستعقد قمتها الخريف المقبل في مدينة كازان الروسية برئاسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

أسباب وجيهة للاستغناء عن الدولار 

قد يكون للمملكة العربية السعودية أسبابها الموجبة لعدم تجديد العقد مع واشنطن. بالنسبة إلى قيادة المملكة المتمثلة بالملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، فقد أخلّت الولايات المتحدة، وتحديداً الديمقرطيين، بالجزء الخاص بها من الاتفاق الذي كان يعطي ضمانات لاستمرار حكم أسرة آل سعود من جهة، ولأمن المملكة من جهة أخرى. 

خلال الربيع العربي بعد العام 2011، كان هناك مشروع أميركي لاستبدال حكم آل سعود بحكم الإخوان المسلمين في المملكة. وقد ترافق ذلك مع عدم تقديم الولايات المتحدة للحماية للمملكة خلال تعرض عمقها للقصف اليمني وترك الرياض تتخبّط في حرب اليمن من دون أن تتدخل فيها، خلافاً لما حصل حين تعرّض الكيان الصهيوني للقصف من قبل اليمنيين، ما جعل الأميركيين والبريطانيين يتدخلون عسكرياً لقصف اليمن. 

عدا عن ذلك، فإن واشنطن أرادت محاكمة ولي العهد السعودي بتهمة قتل الصحافي جمال الخاشقجي، وفرضت عزلة على المملكة، وخصوصاً خلال قمة مجموعة العشرين التي استضافتها المملكة عام 2020، حتى إن الرياض اضطرت إلى اللجوء إلى بكين للتوسط بينها وبين طهران بغية تخفيف التوتر بينهما، بما يؤدي إلى تخفيف أعباء حرب اليمن عن كاهل المملكة العربية السعودية.

وما يزيد نقمة الرياض، وتحديداً الأمير محمد بن سلمان، هو امتناع الدوائر المالية الغربية عن تمويل خطة لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي عبر رؤية المملكة 2030 التي يفيد خبراء غربيون بأنها متعثرة ولن تتمكن من تحقيق ولو جزء يسير مما وعدت به بحلول العام 2030، علماً أن كلفة الخطة تقدر بـ1.5 تريليون دولار. 

كذلك، فإن توقعات الخبراء بالنسبة إلى سعي المملكة لعدم تجديد الاتفاقية مرتبطة بعوامل موضوعية، من ضمنها التحولات في سوق الطاقة العالمية ومحاولات العديد من الدول تقليل الاعتماد على النفط عبر اللجوء إلى مصادر طاقة بديلة، مثل الغاز والطاقة النظيفة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والهوائية والكهرومائية.

وتتّجه المملكة نفسها لتقليل الاعتماد على النفط عبر تنويع اقتصادها من جهة، وتقليل الاعتماد على النفط عبر توليد نصف احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي بحلول عام 2030 من جهة ثانية، وهي تخطط لزراعة 10 مليارات شجرة كجزء من هدف أكبر للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060. ولتحقيق ذلك، نفذت المملكة أكثر من 80 مشروعاً عاماً ومبادرات في القطاع الخاص تمثل استثماراً يزيد على 188 مليار دولار.

العوامل التي قد تمنع الرياض  

يتوقع الخبراء أن يتسبب انتهاء عقد البترودولار بمشكلات خطيرة بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي، إذ إنه قد يؤدي إلى تراجع الطلب على الدولار الأميركي في السوق العالمية، كما أنه يمكن أن يعطي دفعة كبيرة للعملات البديلة من الدولار الأميركي، مثل اليوان الصيني والروبل الروسي والروبيه الهندي، كما أنه يمكن أن يعرض مكانة الدولار الأميركي للخطر باعتباره العملة الاحتياطية الرائدة عالمياً.

ويمكن أن يؤثر تراجع أسعار النفط بشكل كبير في قطاع الطاقة الأميركي. ومع التحول باتجاه اعتماد عملات أخرى في التجارة الدولية، يمكن أن يؤثر هذا سلباً في تسعير النفط في الولايات المتحدة، وبالتالي التسبب بفوضى عارمة في قطاع الطاقة. كذلك، يمكن أن يؤثر هذا سلباً في قوة الدولار الأميركي وقيمته بالمقارنة مع العملات الأخرى، وهذا سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في السوق الأميركية، ويرتد سلباً على التجارة الداخلية، ويرفع من كلفة المعيشة، ما سيرتد سلباً على مستوى عيش العائلات الأميركية. 

لكن يبدو أن التقديرات في اتخاذ المملكة قراراً بوقف مبيعات النفط بالدولار الأميركي تبدو مستبعدة حالياً لأسباب عدة؛ فعلى الرغم من غضب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على إدارة الرئيس جو بايدن وعلى الديمقراطيين الأميركيين، فإنَّ علاقة قوية تجمع أسرة آل سعود بالجمهوريين الأميركيين. 

قرار بهذا الحجم قد يعزز توجه الولايات المتحدة إلى عدم تزكية الأمير الشاب لخلافة والده، علماً أن الملك فيصل الذي وقع الاتفاقية مع واشنطن عام 1974 لم يستطع أن يكسب رضاها بعد غضبها منه نتيجة الحظر النفطي الذي شارك في فرضه خلال حرب العام 1973 بين العرب و"إسرائيل"، ما جعل كثيرين يحمّلون الولايات المتحدة مسؤولية اغتياله على يد ابن اخيه عام 1975.

ومن المؤشرات على أن ابن سلمان لن يقدم على خطوة تغضب الأميركيين، وأن كل ما يقوم به يقع في خانة محاولة لفت أنظار الأميركيين، هو أن المملكة العربية السعودية لم تفعّل انضمامها إلى منظومة بريكس حتى الآن، علماً أنه كان يجب عليها أن تفعل ذلك في كانون الثاني/يناير 2024. وما يعزز من تمسك المملكة بالدولار الأميركي هو تمسكها أيضاً بعلاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، والتي كفلت لها حتى الآن دوراً إقليمياً ريادياً، علماً أنها قد لا تضمن الامتيازات نفسها إذا تحولت إلى إقامة علاقات مع دول البريكس. 

ولا تزال المملكة تعتمد الدولار الأميركي في مقابل مبيعاتها النفطية، على الرغم من محاولات الصين لإقناعها باعتماد اليوان. ووفقاً لخدمة الأخبار الرقمية سبوتنيك، فإن ما يقارب 80% من مبيعات النفط العالمية يتم تسعيرها بالدولار. ومع ذلك، فإن روسيا وإيران والمملكة العربية السعودية والصين وغيرها تتحول بشكل متزايد إلى العملات المحلية في تجارة الطاقة.

 وعام 2023، تم شراء 20% من النفط العالمي بعملات أخرى. وإذا قلل اللاعبون العالميون اعتمادهم على الدولار الأميركي، فإن قدرة الولايات المتحدة على إصدار ديون بالدولار وكسب الدولارات مقابل الصادرات سوف تتضاءل وسيتقلص اقتصاد البلاد. ويمثل انتهاء اتفاقية البترودولار تحولاً كبيراً في ديناميكيات القوة العالمية، ويسلط الضوء على مشهد الطاقة المتغير والتأثير المتزايد للاقتصادات الصاعدة.

ماذا عن الدولار الأميركي؟

أما الأسباب الرئيسية لعدم التحول في هذه المرحلة فهي الاستقرار والقبول العالمي للدولار الأميركي. تدرك الولايات المتحدة أهمية الحفاظ على علاقة قوية مع المملكة العربية السعودية، وخصوصاً أن هناك تقارير تفيد بأن إدارة بايدن تقترب من وضع اللمسات الأخيرة على معاهدة مع المملكة تلزم الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عنها كجزء من صفقة تهدف إلى تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية و"إسرئيل".

ويتم التداول في أنباء تفيد بسعي إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق مع المملكة يكون جزءاً من تسوية إقليمية تؤدي إلى اتفاق نووي مدني بين الرياض وواشنطن، ويترافق مع ضمانات اقتصادية وعسكرية للمملكة وتطبيع للعلاقات مع "إسرائيل" في مقابل إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الحرب على غزة. 

 

جمال واكيم ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل