خاص الثبات
في زمن الانبطاح العربي، والانقسام الطائفي، والتواطؤ الإعلامي، تحوّلت الكرامة إلى تهمة، والسيادة إلى خيانة، والمقاومة إلى "إرهاب". لا غرابة إذًا أن ترى الأصوات نفسها، التي كانت تهاجم إيران لأنها – بزعمهم – لم ترد، تهاجمها اليوم لأنها ردّت!
قبل أيام، كانت تلك الأبواق تصيح:
"أين إيران؟ لماذا لم ترد؟ ها هي تُصفَع ولا تحرك ساكنًا… إنها لا تختلف عن الدول العربية الخانعة!"
لكن ما إن أطلقت إيران صواريخها الدقيقة، مستهدفة قواعد أميركية لها علاقة مباشرة بالعدوان على أراضيها أو حلفائها، حتى انقلبت النغمة:
"إيران تعتدي على أرض عربية! إيران تهدد الأمن العربي!"
يا لسخرية الموقف…
هل السيادة العربية لا تُمسّ إلا عندما تهددها إيران؟
أين كانت أصواتكم عندما قصفت "إسرائيل" مرارًا وتكرارًا مطارات عربية؟
أين كانت غيرتكم عندما اغتيل قادة مقاومون على أرض عربية؟
أين كانت كرامتكم عندما تحوّلت أراضي بعض الدول إلى منصّات للدرون الأميركي والصهيوني، تقتل وتدمر وتخترق السماء والأرض دون حسيب أو رقيب؟
الحقيقة الجليّة أن هؤلاء لا يغضبون من خرق السيادة، بل من خرق معادلات الخنوع.
هم لا يخشون الحرب، بل يخشون أن تنتصر إرادة المقاومة فيها.
إيران، الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك قرارها الوطني المستقل، ردّت بقوة وعقلانية. لم تتصرف كعاطفة شعب، بل كدولة تُحسب لها الحسابات. ضربت لتردع، لا لتنتقم. لتُثبت أنها ليست ساحة مفتوحة للعدوان، وأن زمن الردع من طرف واحد قد انتهى.
فمن شاء أن يُسمي ذلك "عدوانًا على العرب"، فليسأل نفسه:
من الذي حوّل أرضه إلى قواعد لأعداء الأمة؟
من الذي شرّع سماءه أمام الطائرات الأميركية والصهيونية؟
من الذي يمنع شعبه من مجرد الدعاء لفلسطين في المساجد، بينما يتهم طهران بالخيانة؟
إن الكيل بمكيالين، لم يعد مجرد نفاق سياسي، بل صار منهجًا إعلاميًا دنيئًا، يسعى لتشويه صورة كل من يرفع رأسه، وشيطنة كل من يرد الصاع صاعين.
نعم، إيران ليست معصومة من الأخطاء، وليست فوق النقد، لكنها تبقى الرقم الصعب في معادلة الردع الإقليمي، واللاعب الوحيد الذي قال لأميركا: لا.
في وقت تُفتح فيه العواصم العربية للزوار الصهاينة، ويُغلق فيها فم كل من يتحدث عن فلسطين، ما زالت طهران تقول: "القدس لنا، والمقاومة شرف، والكرامة لا تُشترى ولا تُباع."
فدعوا هراءكم جانبًا،
ودعوا الشعوب تقرر من الذي خان، ومن الذي وقف،
من الذي طبع، ومن الذي ردّ.