إيران تواجه.. وتنتصر

الثلاثاء 24 حزيران , 2025 05:47 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة
 
تعود أسباب المواجهات الأخيرة بين "إسرائيل" وإيران إلى عدة عوامل متشابكة، بدايةً من البرنامج النووي الإيراني، حيث تعتبر "إسرائيل" الطموحات النووية الإيرانية تهديدًا وجوديًا لها، وقد كثّفت هجماتها على منشآت ومواقع مرتبطة بالبرنامج النووي، بما في ذلك اغتيال شخصيات بارزة وعلماء في هذا المجال, كذلك دعم إيران لمحور المقاومة، فإيران تُعد الداعم الأساسي لحركات المقاومة في المنطقة، ما يجعلها هدفًا مباشرًا "لإسرائيل"، خصوصاً بعد احداث 7 أكتوبر, كذلك التصعيد الإعلامي والسياسي، والخطابات التحريضية المتبادلة، خصوصاً من حكومة نتنياهو، ساهمت في تأجيج الوضع، وسط دعم غربي "لإسرائيل" وصمت دولي عن خروقاتها.
 
ومع بدأ المواجهات بين "إسرائيل" وإيران التي استمرت لـ12 يوماً تمكنت إيران خلالها من استهداف مواقع حساسة داخل الكيان، في تطور يُعد غير مسبوق من حيث الحجم والدقة، وهذا أبرز ما تم تدميره أو استهدافه وفقاً للمعلومات:
- مصفاة حيفا وهي المنشأة الحيوية للطاقة، وعصب أساسي للكيان، وقد أدى استهدافها إلى تعطيلها وتوقيفها عن العمل.
- مركز أبحاث وايزمان، يُعد من أهم المراكز العلمية المرتبطة بالأمن والتكنولوجيا في "إسرائيل" والعامود الفقري للمشروع النووي "الاسرائيلي".
- منشآت عسكرية واستخباراتية منها مقر القيادة والسيطرة الرقمية (C4I)، ومواقع تابعة للاستخبارات العسكرية، كان لها دور بارز في التجسس وإدارة الحرب السيبرانية.
- قاعدة نيفاتيم الجوية وهي من القواعد الجوية الاستراتيجية التي يعتمد عليها الكيان في عدوانه، وقد أُصيبت بعدة صواريخ.
- محطة كهرباء وميناء حيفا تضررا بشكل مباشر، ما أثر على البنية التحتية الحيوية.
- منظومات دفاع جوي بعيدة المدى تم تدمير بعضها بطائرات مسيّرة إيرانية خفية.
رغم أن "إسرائيل" اعترضت نسبة كبيرة من الهجمات، فإن الاختراق الإيراني أظهر قدرة على تجاوز الدفاعات الجوية والوصول إلى العمق "الإسرائيلي"، ما اعتبره محللون "تغييرًا في قواعد الاشتباك تفوق إيراني في تجاوز الصواريخ الاعتراضية".
 
وهنا لا بد من ذكر تأثير الضربات الإيرانية الأخيرة على العقيدة الأمنية "الإسرائيلية"، التي هي أساس العقل الصهيوني، وتوازن الردع في المنطقة:
اولاً: اهتزاز صورة التفوق "الإسرائيلي".
لطالما اعتمدت العقيدة الأمنية "الإسرائيلية" على مبدأ "الضربة الاستباقية" و"التفوق النوعي"، لكن نجاح إيران في اختراق الدفاعات الجوية والوصول إلى أهداف استراتيجية داخل الكيان شكّل سابقة خطيرة. هذا الحدث أضعف الثقة الشعبية والدولية في قدرة "إسرائيل" على حماية عمقها الداخلي، وأجبرها على إعادة تقييم منظوماتها الدفاعية.
ثانياً: تآكل مبدأ الردع
"إسرائيل" كانت تراهن على أن إيران لن تجرؤ على رد مباشر، لكن الهجوم الإيراني أظهر أن طهران مستعدة للمخاطرة في حال تم استهداف مصالحها الحيوية. هذا التطور أعاد رسم قواعد الاشتباك، وأجبر "إسرائيل" على التفكير مرتين قبل تنفيذ عمليات اغتيال أو ضربات داخلية ضد إيران أو حلفائها.
ثالثاً: ارتباك في القيادة السياسية والعسكرية
الضربات الإيرانية تزامنت مع أزمات داخلية "إسرائيلية"، من احتجاجات شعبية إلى انقسامات سياسية، ما زاد من الضغط على الحكومة. وقد أظهرت التقارير أن هناك تباينًا في الرؤى داخل المؤسسة الأمنية حول كيفية الرد، مما يعكس ارتباكًا استراتيجيًا غير معتاد، خصوصاً ان العملية الصهيونية لم تحقق اهدافها في انهاء المشروع النووي الإيراني واضعاف النظام هناك.
رابعاً: إعادة صياغة التحالفات الإقليمية
الرد الإيراني سيدفع بعض الدول المجاورة "لإسرائيل" إلى إعادة النظر في تحالفاتها الأمنية، خصوصاً في ظل فشل الدفاعات الغربية في صد كل الهجمات. كما أن الدعم الشعبي لمحور المقاومة في المنطقة سيزداد، ما قد يُترجم إلى تحولات جيوسياسية على المدى المتوسط.
 
ولا يغيب على بال أحد إن لهذه المواجهة تأثير على القضية الفلسطينية بشكل مباشر ويمكن تلخيصها بالتالي:
اولاً: تعزيز محور المقاومة
• ارتفاع شعبية إيران بين الشعوب الداعمة لفلسطين في ظل استمرار احداث 7 أكتوبر والعدوان الصهيوني على غزة، والخذلان الواضح من قبل الدول العربية.
• دعم معنوي وعسكري متزايد للفصائل الفلسطينية يمكنها من الصمود والمواجهة
• إعادة الاعتبار لخيار المقاومة كخيار وحيد لتحرير الأرض.
ثانياً تراجع أولويات التطبيع
• تجميد أو تباطؤ اتفاقيات "أبراهام" مع بعض الدول العربية.
• إحراج الأنظمة المطبّعة أمام شعوبها بسبب دعمها الضمني "لإسرائيل".
ثالثاً إضعاف الموقف "الإسرائيلي"
• انكشاف هشاشة الجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، ووهم السيطرة.
• تراجع صورة "إسرائيل" كقوة لا تُقهر، ما يعزز الثقة لدى الفلسطينيين وقوى المحور.
 
رغم الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها إيران في المواجهة الأخيرة مع "إسرائيل"، فإنها خرجت بمكاسب استراتيجية ومعنوية التي يمكن اعتبارها نصراً وتلخص في النقاط التالية:
- إثبات القدرة على الرد المباشر، لأول مرة منذ عقود، خاضت إيران مواجهة مباشرة مع "إسرائيل"، وأظهرت قدرتها على إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة نحو العمق الصهيوني، ما عزز صورتها كقوة إقليمية لا يُستهان بها.
- تعزيز الردع الإقليمي، رغم الضربات التي تلقتها، فإن إيران نجحت في فرض معادلات جديدة، وأرسلت رسالة واضحة بأن استهداف مصالحها الحيوية سيقابل برد عسكري مباشر. 
- رفع المعنويات الداخلية، استُخدمت المواجهة لتوحيد الجبهة الداخلية تحت شعار "الدفاع عن السيادة والكرامة"، مما ساعد النظام على امتصاص بعض الضغوط الشعبية.
- كسب نقاط سياسية ودبلوماسية، تمكنت طهران من تحييد بعض الدول المجاورة عن دعم أي هجوم ضدها، ونجحت في إيصال رسائلها عبر القنوات الدولية، كما استثمرت في إبراز ازدواجية المعايير الغربية تجاه الصراع.
- تعزيز مكانتها لدى حلفائها، أظهرت إيران التزامها بمحور المقاومة، مما سيزيد من شعبيتها لدى حلفائها في لبنان، العراق، اليمن، وغزة، وترسيخ دورها كداعم رئيسي في مواجهة "إسرائيل".
 
نعم وبكل ثقة، يمكن القول إن إيران خرجت من هذه الجولة وقد حققت نصرًا، وكانت الكلمة الأخيرة لها، "أنتم بدأتم العدوان ونحن نحدد متى ينتهي", رغم الخسائر التي تكبّدتها. فقد استطاعت لأول مرة أن تفرض معادلة ردع مباشر مع "إسرائيل"، وتُظهر قدرتها على ضرب العمق "الإسرائيلي" بأهداف حساسة، ورغم أن "إسرائيل" وأمريكا وجهتا ضربات للمنشآت النووية، فإن الرسالة الإيرانية وصلت بوضوح، طهران لن تبقى في موقع المتلقي، وهي قادرة على الرد، حتى في ظل التفوق الجوي والتقني "الإسرائيلي"، لكنها تحوّل استراتيجي في قواعد الاشتباك، وقد تعيد رسم موازين القوى في المنطقة.

حمزة حسين


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل