الخزي العربي.. والعز الإيراني _ عدنان الساحلي

الخميس 26 حزيران , 2025 08:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

​وقف الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، بعد حرب اكتوبر- تشرين الأول 1973، ليعلن أن 99 في المائة من أوراق الحرب والسلام في الصراع العربي – "الإسرائيلي" هي بأيدي أميركا.

​كانت وقفته تلك إعلاناً منه للتنازل عن كل شيء، بما فيها ورقة التوت وماء الوجه، فقام بزيارة الكنيست "الإسرائيلي"، ثم عقد اتفاق كامب ديفيد، الذي أخرج السادات فيه مصر من الصراع العربي – "الإسرائيلي"؛ وأدار ظهره لفلسطين وقضيتها. وشطب دور مصر العربي والإفريقي والدولي، وأعطى أميركا و"إسرائيل" كل ما تطلبانه من مصر، استسلاماً كاملاً يترك "إسرائيل" فالتة من أي عقال في المنطقة، في ظل وعود خليجية لم تر النور بتنمية مصر وجعلها جنة يسعد فيها شعبها. وها هي مصر كامب ديفيد لم تحقق السعادة لشعبها؛ ولم تحصل على تنمية تذكر، وما زال الشباب المصري يبحث عن فرص عمل هنا وهناك، فيما صحراء سيناء، التي وعد عرب الخليج بتحويلها إلى جنة خضراء ومدناً عامرة، تشجيعاً للسادات على الخضوع لكل الإملاءات الأميركية و"الإسرائيلية"، ما تزال صحراء. الجديد فيها هو انتشار "الدواعش" وتعسكرهم في نواحيها، ليكونوا اداة أميركا و"إسرائيل"، فيما إذا طرأ تغيير في الموقف المصري من العدو "الإسرائيلي". 

​وما حدث للموقف المصري حصل للأردن في اتفاقية وادي عربة، التي أكمل فيها النظام الأردني خضوعه التاريخي للعدو الصهيوني، وهو هذه الأيام كان يقدم فروض الطاعة لأميركا و"إسرائيل"، عبر مشاركته في التصدي للصواريخ؛ وبإسقاطه عشرات الطائرات المسيرة الإيرانية التي كانت تعبر أجواءه باتجاه اهدافها في فلسطين المحتلة. 
وليست "السلطة الوطنية الفلسطينية" بأحسن حال، فهي سلمت كل مشروعيتها للكيان المحتل في "أوسلو"، وباتت خادمة عنده في تنسيق أمنى، تطارد فيه المقاومين وتعتقلهم، أو تقتلهم أحياناً.

​وقد أكمل التحالف الغربي، بقيادة أميركا وتواطؤ أكثر من نظام عربي، تفتيت وتدمير كل إمكانية عربية للوقوف في وجه الغزوة الصهيونية- الغربية. فها هي سورية "الثائرة" على نظام بشار الأسد جاهزة (على ذمة دونالد ترامب؛ وبتأكيد من تحركات رئيسها الجولاني، للتطبيع مع الكيان الصهيوني). وليبيا، التي غزتها قوات دول حلف الأطلسي وقتلت معمر القذافي، ممنوعة من أي إمكانية لإعادة وحدتها، بعدما قسمت جوائز لأتباع الدول المعتدية، الممنوعين من التصالح فيما بينهم. والعراق ما يزال خاضعاً لاحتلال عسكري أميركي، يمنعه حتى من التنمية ومن استغلال ثرواته في إصلاح وتطوير بنياته التحتية.

​ وفجّر الغرب والمال العربي، حرباً مدمرة في السودان، بين الجيش السوداني؛ وبين ميليشيا صنعها ذلك الجيش، لتساعده في مواجهة قوى انفصالية محلية، بعدما نجح التدخل الغربي و"الإسرائيلي" سابقاً في فصل جنوب السودان عن شماله. والصومال ما يزال في متاهة حروب "إسلاميين" تديرهم أميركا بأموال عربية. ومعظم الدول العربية الأخرى، تبدو وقد باعت دينها وإسلامها، لصالح ما يسمى "اتفاقات إبراهيمية"، تناقض ما جاء في كتاب الله تعالى من أن الدين عند الله الإسلام.  

​أما الإنجازات العربية العظيمة التي حققتها الدول العربية الغنية، فهي بدفعها جزية وخوة للرئيس الأميركي ترامب بقيمة أربعة تريليونات دولار. فهل هناك خزي وعار وخضوع أكثر من ذلك؟

​لذلك، هل يمكن لأي منصف، أو حتى مفترٍ، أن يقارن هذه المواقف المخزية لحكام الدول العربية القوية والغنية؛ وبين موقف زعماء إيران خلال وبعد وقف اشتباكها مع العدو الصهيوني؛ ومعه داعمه وحاميه الأميركي ورئيسه الألعوبة بأيدي اللوبي اليهودي، دونالد ترامب؟

​تكفي كلمة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، في رده على كلام ترامب، بأن طلب الرئيس الأميركي استسلام إيران هو أكبر من مقاس ترامب، وهذا ليس مجرد كلام بل كان فعلاً، وجهت فيه إيران صفعة لأقوى دولة في العالم؛ بأن اليد الإيرانية قادرة على الوصول إلى أكبر واهم قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة.

​وإيران كما اعترف الرئيس الأميركي، أوقعت أضراراً بالغة بالكيان الصهيوني، الذي يحتل فلسطين ويقتل شعبها. وسجلت للمرة الأولى قيام دولة إسلامية بوضع المستوطنين اليهود الغرباء أمام حقيقة وجودهم المهدد دوماً، من قبل أهل الأرض وشعوب المنطقة، وأن الهجرة من فلسطين والعودة من حيث أتوا ليست خياراً، بل هي مصير سيواجهونه كلما قيض لقوة شريفة أن تواجه عدوانهم وتوسعهم.

​والعدو "الإسرائيلي" قاتل إيران بحجة تخلصه من خطر الصناعة النووية الإيرانية؛ ومن الصواريخ البعيدة المدى التي تملكها وتصنعها إيران. لكن المعركة انتهت وعمل الرئيس الأميركي على تحقيق وقف لإطلاق النار؛ ووقف العدوان "الإسرائيلي" على إيران. فيما بقيت الصناعة النووية الإيرانية سليمة، فهي علم وخبرات وصناعة، قبل أن تكون أنفاقاً ومختبرات. والمواد المخصبة محفوظة بأيدي الإيرانيين في أماكن بعيدة عن متناول الأعداء. والمختبرات أكثر بكثير من مجرد مناطق جبلية قصفها ترامب بشكل استعراضي. والصواريخ الإيرانية المدمرة، بقيت تنصب على رؤوس الصهاينة حتى أخر لحظة قبل وقف إطلاق النار، وصوت المسؤولين الإيرانيين مستمر بالتهديد، بأن بلادهم جاهزة للرد على أي عدوان أميركي أو "إسرائيلي"، فأي عز إيراني هذا؟ وأي خزي يعيشه العرب في ظل هكذا انظمة فقدت الشرف والحياء؟!


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل