الشرق الأوسط على فوهة بركان ثائر

الأحد 15 حزيران , 2025 01:12 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة
 
الصراع بين "إسرائيل" وإيران ليس وليد اللحظة، بل هو صراع معقد ومتعدد الأوجه له جذور تاريخية عميقة، تعود لعقود طويلة ماضية، ظهرت حدتها منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران وإعلان الامام الخميني مشروعه بالعداء العلني للكيان ودعمه للقوى الثورية في العالم وعلى رأسهم قوى المقاومة الفلسطينية، وقد تصاعد التوتر مؤخرًا إلى مواجهة عسكرية مباشرة تلخيص في النقاط التالية:
العداء السياسي والأيديولوجي: هناك عداء سياسي وأيديولوجي عميق بين إيران والكيان الصهيوني. فإيران تتبنى خطابًا اسلامياً معاديًا للكيان وتدعو صراحة إلى تدميره، بينما ترى إسرائيل أن النظام الإيراني يشكل تهديدًا حقيقياً لوجودها وللاستقرار العالمي.
البرنامج النووي الإيراني: تعتبر "إسرائيل" أن امتلاك إيران للسلاح النووي يمثل تهديدًا وجوديًا لأمنها. تسعى "إسرائيل" جاهدة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بينما تؤكد إيران أن برنامجها النووي سلمي ويهدف لأغراض مدنية فقط. وتُعد الضربات "الإسرائيلية" المتكررة على منشآت ومواقع نووية إيرانية، واغتيال علماء نوويين إيرانيين، جزءًا من جهود "إسرائيل" لتعطيل هذا البرنامج.
النفوذ الإيراني في المنطقة: دعم إيران لقوى المقاومة في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والحوثيين في اليمن. ترى "إسرائيل" أن هذه القوى تشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها وحدودها، وتعمل على إضعافها ومنع وصول الأسلحة إليها. وقد شهدت المنطقة مسرحاً لاعتداءات "إسرائيلية" ضد قوى المقاومة منذ بداية طوفان الأقصى"7 اكتوبر" وما زال مستمر على قطاع غزة ولبنان.
بدأت "إسرائيل" بشن عدوان عسكري منذ ليل 13 حزيران 2025 استهدف أكثر من مئة هدف داخل إيران، شمل منشآت نووية ومقار للحرس الثوري واغتيال عدد من القيادات البارزة والعلماء النوويين، اعتبر هذا الفعل إعلان حرب مباشرة على الجمهورية الإسلامية، وعليه فإن الوضع انتقل الى مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة بضربات صاروخية متبادلة.
كما ان الاحتمال قائم من أن تتحول لحرب شاملة، وبشكل متزايد, فهناك عدة عوامل تدفع لذلك:
البرنامج النووي الإيراني: يظل المحرك الرئيسي للتوتر، إذ تشعرت "إسرائيل" أن إيران تقترب بشكل كبير من امتلاك سلاح نووي، رغم المفاوضات الجارية مع الإدارة الامريكية بهذا الشأن وتطمينات إيران بأن برنامجها سلمي، يعد الهجوم الاسرائيلي واسع النطاق على إيران واستهدافها منشآت نووية، تجاوزاً للخطوط الحمر، يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة إذا تدخلت دول أخرى.
تآكل الردع: بعد الهجمات المباشرة المتبادلة، يبدو أن قواعد الاشتباك القديمة قد تغيرت. إذا لم ينجح الردع، فإن كل طرف قد يشعر بضرورة توجيه ضربة أكبر لردع الطرف الآخر، مما يؤدي إلى دوامة تصعيد تجر المنطقة لحرب اقليمية.
قوى المقاومة: لا تزال قوى المقاومة في المنطقة يمثلون جبهات مشتعلة وتهديد "لإسرائيل"، ويمكن أن يؤدي دخولها على خط استهداف "إسرائيل" (اليمن، والعراق، ولبنان) في هذه المرحلة إلى جر المنطقة إلى حرب أوسع.
وعليه فإن الرد الإيراني الذي جاء في أقل من 24 ساعة بعد الهجوم "الإسرائيلي" على أراضي الجمهورية، وبالطريقة التي تم بها، أظهر بالفعل عدة نقاط مهمة حول القدرات الإيرانية وقدرتها على استيعاب الصدمات والرد رغم الخسارة الواضحة لعدد من قيادات اتخاذ القرار في طهران وبعض المنشآت والمواقع العسكرية.
اولاً قدرة الرد السريع و"استيعاب الصدمة"
القرار السياسي السريع على اتخاذ قرار بهذا الحجم والتعقيد في غضون ساعات قليلة تعكس هيكل قيادة وسيطرة فعّال في الظروف الطارئة.
الاستجابة اللوجستية والتشغيلية إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ يتطلب استعدادات لوجستية وتشغيلية كبيرة، بما في ذلك جاهزية المنصات، وتوفر الذخائر، وتنسيق الإطلاق، وهو ما تم إنجازه بسرعة ملحوظة.
الرسالة النفسية الرد السريع يهدف أيضًا إلى إرسال رسالة ردع قوية بأن إيران لن تتوانى عن الرد المباشر على أي هجوم يمس سيادتها أو أمنها القومي، وأنه لا يمكن "لإسرائيل" أن تهاجم أهدافًا إيرانية دون عقاب.
القدرات الصاروخية وحجم الترسانة أظهرت إيران قدرتها على إطلاق دفعات من الصواريخ المختلفة الاحجام والمدايات بكفاءات عالية في المناورة والوصول الى أهدافها رغم وجود منظومات اعتراضية على طول خط مسارها، وهذا يدل أن إيران تمتلك ترسانة كبيرة ومتنوعة من الصواريخ الباليستية والمسيرات بعيدة المدى.
الابتكار تحت العقوبات على الرغم من العقوبات الدولية التي تحد من قدرة إيران على استيراد التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، فقد طورت إيران قدرات محلية كبيرة في مجال الصواريخ والمسيرات، معتمدة على الاكتفاء الذاتي.. هذا يظهر مرونة في ظل القيود.
ثانياً التخطيط الاستراتيجي للرد
الرد المحسوب لم يكن الرد الإيراني عشوائيًا؛ يبدو أنه كان "محسوبًا" بحيث يحقق أهدافًا معينة ويحدث ردع دون ان يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة.
استهداف القواعد العسكرية ومنشآت حساسة لدى الكيان استهدفت إيران قواعد عسكرية ومواقع حساسة، مما يشير إلى رسالة موجهة بأن لديها معلومات استخباراتية وقدرة على ضرب أهداف دقيقة تقلق الكيان وتهدد وجوده.
فشل منظومات الدفاعات "الإسرائيلية" والأمريكية أظهرت الأنظمة الدفاعية "الإسرائيلية" (القبة الحديدية، ومقلاع داود، وحيتس، وثاد) عجزها على اعتراض غالبية المقذوفات، مما أدى الى استهداف المواقع العسكرية والمنشآت الأمنية وبعض الأبنية التي يسعى الكيان الى حجب خسائره الحقيقية.
بشكل عام يمكن القول إن الرد الإيراني أكد قدراتها العسكرية والتكتيكية واستيعابها للصدمة، وهذا يدل على وجود عقول تخطيط وتكتيكية تعد مسبقاً لعدة سيناريوهات وضعت لمواجهة مثل هذه المعارك.
ولو اخذنا محاكاة تدخل حلفاء إسرائيل في المعركة ضد إيران، فإن ذلك سيغير بشكل جذري ديناميكية الصراع، ويزيد من تعقيده وخطورته، ويحوله على الأرجح إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، فالولايات المتحدة هي الحليف الأكبر والأهم "لإسرائيل"؛ تقدم لها مساعدات عسكرية ضخمة، ودعماً سياسياً ودبلوماسياً لا محدوداً، كما أن لديها وجوداً عسكرياً كبيراً في المنطقة.
الا ان إيران هددت بالفعل باستهداف القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة إذا تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر، هذا يعني أن القواعد الأمريكية في دول الخليج (السعودية والكويت والبحرين وقطر) والعراق وسوريا ستكون أهدافًا محتملة، كذلك سيتورط حتماً عدد أكبر من دول المنطقة، سواء بسبب وجود القواعد الأمريكية على أراضيها أو بسبب دعمها للولايات المتحدة أو إيران.
إن تدخل الولايات المتحدة يعني تحول الصراع إلى حرب شاملة قد تشمل ضربات جوية وبحرية واسعة النطاق ضد أهداف إيرانية، وقد يشمل ذلك مواجهة برية محتملة، قد يدفع هذا التدخل أطرافاً أخرى، مثل روسيا والصين وباكستان، إلى اتخاذ مواقف أكثر حدة، أو حتى تقديم دعم أكبر لإيران، مما يزيد من احتمالات نشوب صراع عالمي.
اتساع رقعة الحرب سيتحول الصراع من مواجهة ثنائية إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، وربما تتجاوز حدود الشرق الأوسط، كما سيتصاعد حجم الدمار والخسائر بشكل كبير، مع تزايد عدد الأطراف المتدخلة، يصبح التوصل إلى حل دبلوماسي أكثر صعوبة وتعقيدًا.
بالرغم من حجم الهجوم الصهيوني على إيران من اغتيال عدد من الشخصيات البارزة وضرب للمواقع العسكرية ومراكز التخصيب الا ان الجمهورية الإسلامية اثبتت قدرتها على تلقي الضربات والرد السريع، الامر الذي يظهر ان الهجوم الصهيوني قد فشل في تحقيق أهدافه بضرب البرنامج النووي الإيراني وإخضاع إيران للإملاءات الامريكية.
تبقى الساعات والأيام القادمة هي كلمة الفصل في هذه المواجهة التي تضع المنطقة والعالم امام مفرق طرق مهم ربما تؤدي الى حرب إقليمية شاملة لا يستطيع أحد رسم معالمها ونتائجها.

حمزة حسين


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل