مقالات مختارة
– الحرب في نهاية المطاف هي طريقة لتغيير القناعات التي لا ينفع الجدال والتفاوض بتغييرها، تحت ضغط القوة والتهديد بالموت والاقتلاع، فتعيد الحروب تشكيل الوعي لدى الشعوب والمجتمعات، ولذلك قيل إن الحرب تبدأ وتنتهي في عقول البشر. وقد نجحت الحرب الدائرة منذ ثمانية شهور في تقديم أجوبة كانت أسئلتها معلقة قبل هذه الحرب، مثل السؤال عما سيكون عليه موقف الفلسطينيين في غزة إذا خاضت المقاومة بقيادة حماس حرباً نتج بعدها دمار وقتل كبيران، هل سوف تأتي الحصيلة تشبثاً بقيادة حماس وخيار المقاومة، أم سوف ترتفع أسهم خيار التفاوض وقيادة محمود عباس؟ وكان بالمقابل ثمة سؤال افتراضي موازٍ بلا جواب، كيف سوف يكون تأثير حرب طويلة على الكيان تتحوّل بعيون المستوطنين الى حرب وجودية، هل ستكون النتيجة مزيداً من التطرف نحو خيار الحرب والقيادة التي تدعو إليها، أم يمكن لتجمع بشري يقول تاريخ تشكله ككيان سياسي أنه قائم على عقيدة اسمها أرض الميعاد، أن ينهزم ويتقبل الاعتراف بالهزيمة، ويميل إلى القادة الذين يعتبرهم واقعيين أكثر، أو أن يحمّل القيادة التي فشلت في الحرب المسؤولية أملاً بقيادة تستطيع الإعداد لحرب مقبلة بصورة أفضل؟
– سؤالان شديدا الأهمية كانا يحتاجان هذه الحرب كي يصبح لكل منهما جواب، وهو ما قامت به مؤسستان ينظر إلى كل منهما في البيئة التي يتحرك فيها بالموضوعية والحياد بين المتنافسين، حيث صحيفة معاريف بنظر التجمّع الاستيطاني محايدة بين معسكرات السياسة المتقابلة في الكيان، والمركز الفلسطينيّ للدراسات السياسيّة والمسحيّة، محايد بين خياري المقاومة والتفاوض وبين سلطة محمود عباس وقيادة حماس، وفي الأيام القليلة الماضية قامت معاريف وقام المركز الفلسطيني بقياس اتجاهات الرأي العام، بين شرائح المستطلعين من المستوطنين بكافة طبقاتهم ومناطق توزّعهم، وفعل المركز الفلسطيني الشيء نفسه بين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
– ماذا فعلت الحرب في عقول المتحاربين والبيئات التي ينتمون إليها ويتحرّكون فيها، يقول استطلاع رأي معاريف أن بني غانتس المنسحب من حكومة بنيامين نتنياهو على خلفية اتهام نتنياهو بإضاعة فرص التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى كانت ممكنة، يتقدم على نتنياهو كمرشح لرئاسة الحكومة بـ 41% مقابل 35% لنتنياهو، وان حزب غانتس سيحصل على ضعف مقاعده الحالية، 24 بدل 12 مقعداً، مقابل تراجع حزب نتنياهو الى ثلثي حجم تمثيله الحالي، من 32 الى 21 مقعداً فيما برزت فرصة ظهور طرف ثالث بتحالف نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان وجدعون ساعر، يمكن له أن ينال 27 مقعداً ويتقدم على المتنافسين، بحيث يتوزع المشهد السياسي على كتل صغيرة لا تملك أي منها فرص بلوغ عتبة ربع قوام الكنيست المكوّن من 120 مقعداً، وحيث لا يمكن تكوين أغلبية حتى لو اجتمع فريقان من الثلاثة، وهذا يعني أولاً أن الرأي العام يسحب ثقته من الطرف الأكثر تشدداً في خوض الحرب ويحمّله مسؤولية الفشل، وهو نتنياهو، وأن الرأي العام يتراجع عن حجم دعمه لبني غانتس كبديل بنسبة لا يستهان بها من 32 مقعداً في استطلاعات سابقة الى 24 مقعد، لكنه يحافظ على جعله متقدماً عن وضعه الراهن بنسبة كبيرة هي الضعف، ومتقدماً على نتنياهو، ويحاسبه على تردده بالخروج من حكومة نتنياهو ليمنح وضعاً أفضل للذين رفضوا المشاركة مع نتنياهو في الحكومة مثل تحالف ليبرمان وبينيت وساعر، لكن الرأي العام بهذه النسب المنخفضة للانحيازات، دون ربع الأصوات لكل من الأطراف الثلاثة الأهم، يظهر الارتباك والتخبط والشتظي السياسي، كعلامة من علامات فشل الحرب وتداعيات الفشل.
– بالمقابل يقول استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أن الفلسطينيين في الضفة الغربية التي تمثل نقطة الثقل المقبل للعمل السياسي وترجيح الخيارات فلسطينياً، تعطي تصويتاً خارقاً لصالح حركة حماس، حيث 94% في الضفة الغربية يطالبون باستقالة محمود عباس، و73% منهم يؤيدون هجوم طوفان الأقصى رغم كل ما جرى في الحرب، والحصيلة الإجمالية 67% من الفلسطينيين في الضفة وغزة يؤيّدون الطوفان، وترى 79% في الضفة أن حماس ستخرج منتصرة في هذه الحرب، مقابل 67% كحصيلة إجماليّة بين الفلسطينيين، و75% من الفلسطينيين يقولون إنهم راضون عن حماس، مقابل 10% لمحمود عباس، وتصبح النسبة في الضفة الغربية وحدها 82% لحماس و8% لعباس، والمقارنة بنتائج استطلاعات مماثلة في نهاية العام الماضي ونهاية شهر آذار، يبدو بوضوح أن الفلسطينيّين يزدادون تمسكاً بالمقاومة ورموزها وقادتها وتشكيلاتها، ولا يثقون بالنهج التفاوضي ورموزه، وعندما نقارن حجم ما فعلته الحرب بكل من الفلسطينيين والمستوطنين، وحجم التكلفة التي رتبت على كل من الفريقين، سوف نتحقق من أن الفلسطينيين الذين لم يعد ممكناً تهديدهم بفعل الحرب بتكبّد المزيد، انتهى مفعول الحرب عليهم لصالح تمسكهم وتشبثهم بخيار المقاومة، بينما سوف نرى ان المستوطنين ولم يروا بعد إلا الشيء القليل مما يمكن ان تجرّ عليهم الحرب من ويلات قد بدأوا بمغادرة مركبها، والبحث عن القبطان الذي يقود بهم بأقلّ الخسائر مركب الخروج منها.
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً