الحزام الأمني مع لبنان: الجليل هو البديل عن جنوب الليطاني ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 04 حزيران , 2024 01:32 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

اعتبر المراقبون تصريحَ عضو الكنيست "الإسرائيلي"؛ يوليه ميلنوبسكي، الأسبوع الماضي، الأكثر واقعية وصدقية من كل الأصوات في الكيان الصهيوني حين قال:
″نحن كما يبدو يجب ألا نسأل رؤساء دولتنا، لا رئيس الحكومة ولا غيره، عن مستقبلنا في الشمال، وهل سنفتح عاماً دراسياً أم لا، علينا أن نسأل شخصاً واحداً وهو الأمين العام لحـ.ـزب اللـ.ـه (السيد) حسن نصـ.ـر اللـ.ـه، ولنتقدم بالسؤال مباشرة له″.

لا يُبالغ "ميلنوبسكي" في هذا الإقرار الصريح، بعدما أظهرت أحدث دراسة إحصائية أعدَّها مركز العلوم في الكلية الأكاديمية "تال حاي"، بالشراكة مع «أشكول- سلطات الجليل الشرقي»، أن حوالي 40% من مستوطني الشمال الذين أُخلوا من المستوطنات الحدودية مع لبنان، يفكرون بعدم العودة إلى بيوتهم عند انتهاء الحرب، ونقلاً عن جريدة "الأخبار" اللبنانية، أفاد موقع "ماكور ريشون"، أن آلاف الصواريخ والقذائف وأنشطة الطائرات الانقضاضية التي سقطت على مستوطنات الشمال منذ بدء الحرب، أدَّت إلى أضرار جسيمة في المباني والبنى التحتية، إضافة الى الشعور بفقدان الأمن لدى كثير من سكان الجليل، سواء الذين نزحوا أو جرى إخلاؤهم بعد 7 أكتوبر الماضي، أو الذين لا يزالون يعيشون في مستوطنات لم تُخلَ في قلب منطقة الحرب تحت تهديد الصواريخ، وترقُّب اقتحام برِّي يُخشى أن تقوم به قوات حزب الله".

واقع المستوطنات الشمالية الصهيونية على الحدود مع لبنان أنها ليست فقط تفتقد الأمان، بل بات طرح الاستمرار الوجودي فيها أمراً عديم الجدوى، والعائلات التي نزحت أو أجلِيت، هي فقط القادرة على العيش بعيداً عن الخطر، ولديها من العمالة الأجنبية في المزارع أو المؤسسات التي تمتلكها، ما يسمح لها بالهروب من القصف لحين حصول وقف إطلاق نار في غزة، وبالتالي ينعكس على الجبهة مع لبنان، لكن العائلات البسيطة المُلزمة بالبقاء في مزارعها أو مؤسساتها الصغيرة، تبدو الأكثر استياءً ورعباً ليس من حرب الجبهات فحسب، بل من احتمالات دخول حزب الله الى عمق الجليل كحزام أمني للحزب داخل الأراضي المحتلة، لأن الحزام الأمني الذي تريده "إسرائيل" جنوب الليطاني في لبنان هو أمرٌ مستحيل، وكلفته ستكون حرباً مدمرة لشمال ووسط الكيان الصهيوني وحتى الى ما هو أبعد وصولاً الى إيلات.

على المستوى اللبناني، بدت حركة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الأسبوع الماضي في بيروت، نشطة بمستوى استثنائي، لمناقشة احتمالات ترسيم الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، في ضوء قلق "إسرائيلي" غير مسبوق على مستقبل المستوطنات الشمالية، وبدا هوكشتاين "سخياً" في الطروحات، وأنّ اتفاقاً للحدود البرية بين "إسرائيل" ولبنان يتم تنفيذه على مراحل، قد يخفف من الصراع المحتدم والدامي بين الطرفين.

وفي مقابلة له مع مؤسسة  "كارنيغي للسلام الدولي"، قال هوكشتاين: "لا أتوقع السلام الدائم بين حزب الله و"إسرائيل"، لكن إذا تمكّنا من التوصل إلى مجموعة من التفاهمات، والتخلص من بعض الدوافع للصراع، وإقامة حدود معترف بها لأول مرة على الإطلاق بين البلدين، فأعتقد أن ذلك سيقطع شوطاً طويلاً، والبداية ستكون بالسماح لسكان المجتمعات الشمالية في إسرائيل بالعودة إلى منازلهم ولسكان المجتمعات الجنوبية في لبنان بالعودة إلى منازلهم". وأضاف: "إن جزءاً من ذلك سيتطلب تعزيز القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك التجنيد وتدريب وتجهيز القوات"، من دون أن يوضح كيف سيتم ذلك، أما المرحلة الثانية برأيه، فستشمل حزمة اقتصادية للبنان "والتأكد من أن المجتمع الدولي يُظهر للشعب اللبناني أننا نستثمر فيه"، وأعطى مثالاً يندرج ضمن خانة الإغراءات للبنان، أن شبكة الكهرباء في لبنان تعمل لبضع ساعات فقط في اليوم، مما يلحق ضرراً جسيماً باقتصاده. وقال: "لدينا حل لذلك، لقد وضعنا حزمة يمكن أن تخلق حلاً من شأنه أن يوفر لهم الكهرباء لمدة 12 ساعة في فترة زمنية قصيرة".
ولفت إلى أن المرحلة الأخيرة ستكون اتفاق الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، وأنه إذا استقر الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، "فقد يساعد ذلك في تقليص نفوذ إيران هناك".

وإذا كان الجواب اللبناني على "إغراءات" هوكشتاين، بأن أميركا قادرة على تمكين لبنان من الوصول إلى 12 ساعة كهرباء في اليوم، فمعنى ذلك، أن السيد حسن نصرالله في إطلالة تأبين الشيخ علي الكوراني، كان ردُّه على هوكشتاين أكثر من صائب ودقيق، عندما حمَّل أميركا جزءاً من تبعات أزمة الكهرباء في لبنان، وما لم يقله السيد نصرالله من تفاصيل في هذا الإطار، نحن نقولها، أن رفض بعض الفرقاء اللبنانيين للتقديمات الإيرانية على مستوى بناء محطات الكهرباء للبنان، هو إيعاز أميركي دون الحاجة الى المزيد من الإيضاحات حول خضوع هؤلاء لإملاءات السفارات، وتحديداً أوامر "عوكر".

الخطأ الثاني الذي ارتكبه هوكشتاين، قوله، إن "لبنان بعد ترسيم الحدود البرية مع "إسرائيل"، سيستقرُّ الوضع السياسي والاقتصادي فيه، وقد يساعد ذلك في تقليص نفوذ إيران هناك"، والتعرُّض لإيران في هذا التوقيت بالذات، وتحميلها مسؤولية الوضع في الجنوب اللبناني كجبهة إسناد لغزة، وللحق اللبناني بالحدود البرية التي هي مُرسَّمة أصلاً ولا تحتاج لجهود السيد هوكشتاين، أن ما لم يتمّ تنفيذه بالأمس من انسحاب "إسرائيلي" من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع، هو اليوم أقرب من أي يوم مضى لتحقيق ذلك، بإمكانات المقاومة دون الحاجة للسيد هوكشتاين، ولا حاجة له لاستحضار إيران عند كل استحقاق إقليمي، خاصة أن المقاومة في لبنان قد أكدت على مستوى قيادتها، أن إيران وإن كانت تدعمها، لكن قرارها مستقل في ما يتعلق بالصراع مع "إسرائيل"، وهذا الصراع لن ينتهي قبل انسحاب "إسرائيل" من الأراضي اللبنانية المحتلة.

إن حشر إيران في مسألة المواجهة من الجنوب اللبناني، كما صرَّح هوكشتاين، هو افتعال فتنة داخلية لبنانية، لأن ذكرها يأتي من باب التأليب على المقاومة في لبنان، وتصريحات هوكشتاين لا تخدم مهمته، خصوصاً أن الجواب اللبناني عليه جاء بالرفض: لا بحث في مفاوضات ترسيم الحدود البرية - المُرسَّمة أصلاً كما قال السيد نصر الله - قبل وقف إطلاق النار في غزة.

الغريب في حركة هوكشتاين حول ترسيم الحدود البرية حالياً، وهو الذي رعى اتفاقية الحدود البحرية "الإسرائيلية" - اللبنانية في أواخر العام 2022، أنه في العام 2024 يبدو ما زال تقليدياً في طروحاته، كونه يُغفِل التطورات التي حصلت بعد عملية طوفان الأقصى والعدوان على غزة، واشتعال جبهات المقاومة من صنعاء الى بغداد وصولاً الى بيروت.

"إغراءات" هوكشتاين التي أنجحت مباحثاته حول الحدود البحرية، كانت تحت وقع تهديد المقاومة في لبنان، بعدم السماح للكيان الصهيوني بالعمل في حقل "كاريش" قبل تظهير حقوق لبنان في حقوله النفطية البحرية، ونال لبنان ما أراد من ترسيم لحدود حقوله، بصرف النظر عن النتائج الرمادية المشكوك بصحتها من شركة "توتال" واحتمالات تعرضها لضغوط خارجية افرزت تناقضات في تقاريرها حول وجود الغاز في الحقل رقم 9، إضافة الى دراسة جدوى التنقيب في الحقول الأخرى، لكن هوكشتاين لن يجد مرونة في الموقف اللبناني في ما يتعلق بالحدود البرية المُلتهبة في الوقت الحاضر.

ثم إن الواقعية تفرض على هوكشتاين مقاربة الأمور من باب أن "إسرائيل" لم تعُد بعد 7 أكتوبر كما قبله، وأنها كيان مهزوم أمام مقاومة متواضعة عسكرياً في غزة لكنها مذهلة ميدانياً، وأن "إسرائيل" الآن هي التي تطلب إحياء المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية، وهي في موقع ضعف لم تواجهه منذ نشوء كيانها العدواني عام 48، وهي لا تمتلك الكثير من نقاط القوة لا على المستوى الداخلي المفكك، ولا الخارجي الذي انفكَّ بعضه عنها نتيجة جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني سواء في القطاع أو الضفة الغربية، وبالتالي، هامش الخيارات على الجبهة مع لبنان يضيق أمامها أكثر فأكثر، ومهلاً نقول للسيد هوكشتاين في الوقت الحاضر، لأن تطبيق ترسيم الحدود يقتضي عدم نية أيّ من الطرفين اختراق حدود الآخر لاستحداث حزام أمني، وهذا الحزام الذي كانت تحلم به "إسرائيل" في جنوب الليطاني داخل الأراضي اللبنانية، نحن نكاد نجزم بحزم أنه سيكون في مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، وعندها يحلو للبنان الحديث مع هوكشتاين عن الحدود البرية الجديدة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل