انتفاضة الجامعات الغربية.. الأسباب والمكاسب والمصير ــ يونس عودة

الأربعاء 08 أيار , 2024 11:07 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تجتاح الغرب المؤيد للكيان الصهيوني المؤقت على ارض فلسطين, وعلى رأس اولئك الافاعي, الافعى الكبرى - الولايات المتحدة الاميركية, مجموعة واسعة من الاسئلة الواقعية, باتت تناقشها  النخب الثقافية والاعلامية, خصوصاً صناع المستقبل, اي طلاب الجامعات, بصوت عال وبتحد لقبضة القوة البوليسية, والسؤال المحوري يتلخص حول ما اذا كانت جميع  المكونات الاجتماعية في الغرب ضحية على مدى عقود لخداع خطير, لا بل مدمر للقيم الانسانية والبشرية عن سابق تصور وتصميم, وهل فعلا يكون للمتسائلين المعصوفين بالحقائق نصيب من العار التاريخي, ام ان الاستفاقة من الغيبوبة تكفي لمحو العار, وبالتالي العمل على انتاج بدائل ترتقي بها وعبرها الانسانية الى مكانها الصحيح؟
لم تكن التظاهرات المدوية, والسلمية, والمتمددة, الى غالبية الجامعات الاميركية والاوروبية, كنار في هشيم, الغرب الآفل, الا تعبيرا عن سخط كامن على الاكاذيب المروعة لحماية "اسرائيل", ومن اجل نصرة فلسطين وشعبها المذبوح, لكنها ايضا في الجوهر تشكل رفضا للنظم السياسية القائمة كشريك فعلي في حرب الابادة, وفي هذا السياق عنونت صحيفة "الغارديان" البريطانية "أيهما أسوأ، أكاذيب "إسرائيل" بشأن غزة أم الداعمين الغربيين لتلك الأكاذيب؟ لتقول: تخدعني مرة، عار عليك؛ تخدعني مرتين، عار علي".
لم تفكك الصحيفة الرموز الحقيقية في ترديد الغربيين أقاويل "إسرائيل" الكاذبة, لكنها تلقي الضوء على سلسلة من الاضاليل بحيث "خدعت الحكومة "الإسرائيلية" اليمينية المتطرفة وجيشها من الدعائيين السياسيين والصحفيين الغربيين وخدعتهم، ليس مرة أو مرتين، بل عدة مرات". ويرد في السياق امثلة كثيرة.
هناك الكثير من الأكاذيب والتشويهات التي يجب تتبعها. أربعون طفلاً تقطع رؤوسهم حماس؟ لم يحدث أبدا. أطفال يُخبزون في الأفران أم يُعلقون على حبال الملابس؟ خطأ شنيع. مخبأ على طراز بوند الشرير مخبأ تحت مستشفى الشفاء؟ غير صحيح. هل تم القبض على الفلسطينيين في غزة أمام الكاميرا وهم يتظاهرون بإصاباتهم؟ تلفيق كامل. قائمة بأسماء محتجزي الرهائن من حماس الموجودة على جدار مستشفى الرنتيسي للأطفال؟ عذرًا، لا، كانت مجرد أيام الأسبوع في التقويم باللغة العربية.
ماذا عن الفظائع التي اتُهمت القوات الإسرائيلية بارتكابها، والتي أنكرتها إسرائيل بصوت عالٍ، ثم تبين فيما بعد أنها مسؤولة عنها؟ مذبحة الطحين في شباط؟ قصف قافلة اللاجئين في ت1 الماضي؟ هجوم الفوسفور الأبيض في جنوب لبنان؟
في البداية, منذ اليوم الاول لطوفان الاقصى, وربما لبضعة اسابيع , تمكنت البروباغندا "الاسرائيلية" الفتاكة في الدوائر السياسية والدبلوماسية والامنية والعسكرية والاعلامية, مسنودة بقادة الغرب وشبكاته الاعلامية  من الفتك في عقول العامة الذين طالما كانوا ضحايا لكل انواع الكذب والتضليل, لكن ما ان بدأ الرشد يعود مع الاطلاع, ومشاهدة الابادة اليومية, واتهامات مجرمي الكيان لكل من قارب الحقيقة بمعاداة السامية, وصولا الى الامين العام للأمم المتحدة, انطونيو غوتيريش, مع الدور المركزي للإعلام المقاوم في كشف زيف الدعاية السوداء التي انخرط فيها قادة اميركا والرئيس نفسه جو بايدن, احدث صحوة عالمية, يمكن المراكمة والمراهنة عليها في صياغة مستقبل جديد للبشرية.
لقد تمكن محور المقاومة, بوضوحه في مقاربة القضية اكان في الميدان شهداء وجرحى وعرق ودم او في الجهود السياسية الهائلة ,مع التزامه المطلق بالقيم الاخلاقية والانسانية في الصراع بمستوياته السياسية والعسكرية والثقافية والانسانية, بكسب أربعة انتصارات في واحدة من اعقد المعارك في سياق الحرب, من دون مقاربة النتائج العسكرية والاقتصادية للحرب:
1ــ تمزيق السردية الغربية - الاسرائيلية التي سيطرت على مدى عقود, والقاء ركامها امام اعين العالم بأجمعه, والتمسك الصبر مهما كان الاذى حتى من بعض ابناء الجلدة, وكان صبرا ايوبيا, بكل ما للكلمة من معنى.
2ــ استنهاض كل حر في العالم, وطرح الحقائق الدامغة امام كل من يسعى الى الحقيقة, ما انتج يقظة مثقفين حول الارض ليقاربوا ما يحدث بواقعية مشهودة, ويكونوا صوتا يدعو للصحوة, والخروج من القفص الى الحرية الحقيقية, والدفاع عن الديمقراطية غير المزيفة, وليست الحركة الطلابية في الغرب, خصوصاً في الولايات المتحدة, واشعاعها على الجامعات الاوروبية الا رأس جبل الجليد, وهو يشبه الى حد بعيد, ما حدث من فجوة بين الرئيس الاميركي آنذاك لندون جونسون, والشارع الاميركي بسبب اكاذيب الادارة عن العدوان، لتنطلق الشرارة من جامعة كولومبيا, الى كل الجامعات, ومن ثم الى اوروبا, تماما كما يحدث اليوم بحيث يتهم الرئيس بايدن انه منخرط في حرب الابادة ويغطي الجرائم الاسرائيلية, ويقمع الحركة الطلابية بشرطته وعسكره كما الفاشيين تماما مقابل تحدي الطالبات كما الطلاب بالإصرار على ثبات شعارهم وقف حرب الابادة على الشعب الفلسطيني.
3ــ فضح الليبرالية الجديدة بكل مكوناتها ولا سيما الجانب الفاشي لمؤيديها, وببعدها الاجتماعي في هندسة المجتمعات من مروجي الحروب للسيطرة على الحقوق الوطنية من خلال النظام الاحتيالي وهو بات ايلا الى السقوط بعد انكشاف المكر الاكثر دناءة منذ فجر البشرية.
4ــ كشف فساد تهمة معاداة السامية واسقاطها في ركن معاداة الإنسانية, وهو ما عبر عنه يهود أعلنوا معاداتهم للصهيونية وللكيان الصهيوني لأنهم انزلوا تشويها في الدين اليهودي نفسه وهو ما ساهم في سحب جامعات اميركية تعاونها مع جامعات اسرائيلية.
 
بات من الوضوح في المشهد العالمي, ما يمكن الرهان عليه بان صحوة عالمية تشد الخطى نحو عالم جديد, ستكون البصمة الاوضح على صدره, بصمة المقاومين بالدم وبكل ما غلا, بينما العار سيلحق بكل من برر وتواطئ او كان شيطانا اخرس, من مشارق الارض الى مغاربها, الا ان محور الشر المعادي سيكون اكثر شراسة, ولا سيما داخل الولايات المتحدة لتطويق انتفاضة الجامعات التي يمكن ان تتحول الى اشبه بثورة شعبية، من اجل احتوائها, مع محاولات تشويهها التي انطلقت بان الانتفاضة الطلابية ممولة من الخارج, وانها معادية للسامية, ولليهود عموما, وهذا في سياق الشيطنة والتشويه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل