ملامح "المرحلة الثالثة" من العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة

الثلاثاء 09 نيسان , 2024 10:18 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

شهد قطاع غزة، خلال الأيام الأخيرة، تطورات ميدانية مفصلية، قد تحدد شكل الأوضاع داخل القطاع خلال المدى المنظور، يأتي على رأسها قرار "إسرائيل" إعادة فتح معبر "إيريز" الحدودي مع القطاع، وسحب كل الألوية التي كانت تقاتل في الجبهة الجنوبية لقطاع غزة منذ نحو أربعة أشهر.

يمثل قرار إعادة فتح معبر "إيريز"، والذي كان يمثل نقطة العبور الرئيسة إلى شمالي غزة قبل الحرب، تحولاً كبيرا في الموقف الإسرائيلي، بعد أن رفض المسؤولون الإسرائيليون، مراراً في السابق، دعوات إلى فتح مزيد من معابر الدخول لغزة، لكن يمكن القول إن الخطوة الإسرائيلية - من حيث المبدأ - كانت متوقعة بالنظر إلى بحث القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، خلال الفترة الأخيرة، عن حلول لكيفية تأمين "هامش" من الاحتياجات اليومية لسكان قطاع غزة، على نحو يحول دون استفزاز المجتمع الدولي، أو إدخال سكان قطاع غزة في مجاعة، وتفادي تحميل "إسرائيل" أعباء إضافية على المستوى المادي أو اللوجيستي، والحيلولة دون منح وكالة الأونروا، أو أي جهة محلية في قطاع غزة، أي أدوار على الأرض.

يمكن أيضاً النظر إلى هذه الخطوة، من منظور بعض العوامل الضاغطة حالياً على "تل أبيب"، سواء تداعيات ما بعد الضربة الجوية، التي تعرّض لها الرتل التابع لمؤسسة "المطبخ المركزي العالمي"، وحالة التوتر الحالية في العلاقات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، والاستنفار الحالي للجيش الإسرائيلي عقب ضربة إيلات وضربة دمشق. لكن المنظور الأهم، الذي يمكن من خلاله تحليل هذا القرار، يتعلق بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

فتح المعبر تجهيزاً لعملية رفح

واقع الحال أن هذه الخطوة ربما ترتبط، بصورة أو بأخرى، بالعملية الإسرائيلية المرتقبة في مدينة رفح، والتي يبدو أنه قد تم تأجيلها، وهذا يمكن فهمه من خلال استمرار عمليات التطهير الإسرائيلية في مختلف الجبهات في قطاع غزة، لأن من المتعذر لوجستياً بدء عملية عسكرية رئيسة في مدينة رفح، ما ظلت القوات الإسرائيلية على تماس قتالي في عدة محاور.

فالعمليات الإسرائيلية، التي كانت جارية خلال الأسابيع الأخيرة، كانت كلها عمليات "تمشيط"، تقوم بها الألوية 84 و89 و401 و933، ما عدا العمليات التي تتم في منطقة القرارة شرقي مدينة خان يونس، وكانت تنفذها وحدات اللواء السابع المدرع.

من هذا المنطلق، يمكن القول إن تحسين الوضع الإنساني في شمالي قطاع غزة، وخصوصاً بعد إتمام إنشاء الطريق العسكري الذي يقطع التواصل بين جنوبي مدينة غزة ومنطقة المخيمات الوسطى، سيسمح بنقل سكان جنوبي قطاع غزة - أو دفعهم إلى الانتقال - شمالاً، وبالتالي إخلاء الطريق أمام القوات التي ستنفذ عملية رفح.

يضاف إلى ذلك أن قرار فتح معبر "إيريز"، يخدم في حد ذاته هدفاً إسرائيليا أساسياً، استهدفت تنفيذه من خلال عملية استهداف عناصر مؤسسة "المطبخ المركزي العالمي"، وكذلك الاستهداف المتكرر للجان الشعبية والعشائرية عند دوار الكويت في مدينة غزة، وهو التحكم بصورة كاملة في "توقيت" عودة الفلسطينيين إلى شمالي غزة، وعرقلة أي جهود فلسطينية أو مستقلة لتنظيم المساعدات، وفرض التنسيق الكامل مع "إسرائيل" بشأن أي جهود إنسانية داخل قطاع غزة - وخصوصاً في المنطقة الشمالية - علماً بأن رئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي أعلن مؤخراً انه يعتزم افتتاح مركز قيادة جديد مع وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، بهدف تحسين تنسيق النشاط الإنساني في قطاع غزة.

لكن، على رغم أهمية القرار الإسرائيلي حيال هذا المعبر - من حيث الشكل - فإنه لم تتضح حتى الآن آليات تنفيذه داخل قطاع غزة، أو حجم الجهد الإنساني الذي سيتم إرساله عبره، بحيث ستصل المساعدات الإنسانية من ميناء أسدود، ثم يتم نقلها براً إلى معبر "إيريز"، لكن من سيقوم بتسلمها في الجانب الفلسطيني، ومن سيتولى توزيعها، وخصوصاً أن معبر "إيريز" والطريق المنطلق منه إلى داخل غزة، يعانيان أضراراً كبيرة.

المرجح أن تلجأ "إسرائيل" إلى اتخاذ نقاط التفتيش الخمس، التي أنشأتها على طول الطريق العسكري في محور جحر الديك، كنقاط لتوزيع هذه المساعدات، إلى جانب فتح نقاط مماثلة في الجانب الإسرائيلي من غلاف غزة في محيط معبر "إيريز"، في ظل عدم احتمال تسليم هذه المساعدات إلى أطراف فلسطينية تابعة لحركة حماس، أو إلى منظمات دولية.

تخفيض قياسي للقوات الإسرائيلية في قطاع غزة

يرتبط بهذا القرار، تطور أخر لافت، يرتبط بإعلان "الجيش" الإسرائيلي، سحب وحداته المقاتلة في الجبهة الجنوبية لقطاع غزة، جنوبي قطاع غزة، إيذاناً بانتقال "الجيش" الإسرائيلي عملياً إلى المرحلة الثالثة من عملياته البرية، والتي تتضمن تنفيذ مداهمات برية محدودة بناء على مستجدات الموقف الميداني التي تظهر من خلال عمليات الاستطلاع الجوي والرصد الاستخباري.

جدير بالذكر هنا، أنه مع مطلع العام الجاري، أشارت وسائل عدة إعلام إسرائيلية إلى بدء استعداد "الجيش" الإسرائيلي للانتقال إلى "المرحلة الثالثة" من الحرب. وحينها أشارت هذه الوسائل إلى توقعها أن يكون شكل هذه المرحلة على صورة عمليات قتالية مركزة، يتم بموجبها وقف عمليات الاجتياح البري الواسعة، وتقليص العمليات العسكرية، والانتقال إلى عمليات جراحية، ومهمات تستهدف تحديد أماكن وجود قادة الصف الأول في كتائب القسام وتصفيتهم، ثم إقامة منطقة عازلة آمنة داخل قطاع غزة.

هذا التوجه أكدته بعد ذلك المعطيات الميدانية، والتي أشارت إلى أن القوات الإسرائيلية باتت تتخذ منطقة محور "نتساريم" ـ جحر الديك، الفاصلة بين الجبهة الشمالية والجبهة الوسطى للقطاع، مرتكزاً يتم من خلاله الانطلاق نحو المناطق التي يتم فيها رصد تهديدات، بحيث يتم تنفيذ عمليات تطهير في هذه المناطق، ثم العودة إلى التمركزات الأساسية، وهو ما حدث في عدة مناطق في شمالي قطاع غزة، مثل حي الزيتون، وكذا العملية الأخيرة في محيط مجمع الشفاء الطبي، والتي نفذتها وحدات تابعة للواء المدرع 401، والوحدة البحرية الخاصة "شايطيت-13"، ووحدة "دوفديفان" الخاصة، والكتيبة "933" من لواء المشاة "ناحال"، ثم انسحبت هذه الوحدات جميعاً إلى محور جحر الديك، عبر طريق الرشيد الساحلي، وهو تكتيك لا يستهدف فرض "تطهير كامل" أو "سيطرة كاملة"، بل يستهدف منح القوات حرية حركة ومرونة، وهو ما يؤشر على وجود نية لبقاء الحد الأدنى من القوات الإسرائيلية في أراضي قطاع غزة خلال المدى المنظور.

بموجب قرار سحب وحدات الفرقة 98، يمكن القول إنه بذلك تم سحب كل كتائب الألوية الثلاثة العاملة في الجبهة الجنوبية، وهي اللواء المدرع السابع، ولواء المشاة 84 "جفعاتي"، ولواء القوات الخاصة "عوز"، ولم يعد متبقياً حالياً في قطاع غزة من ألوية مقاتلة سوى لواء واحد، هو لواء المشاة 933 "ناحال"، الذي يتألف من خمس كتائب هي (50 - 931 - 932 - 934 - 601)، ويعمل حالياً في منطقة المخيمات الوسطى، ويتمركز بصورة دائمة في محور "جحر الديك"، إلى جانب بعض السرايا المدرعة التابعة للكتيبة المدرعة 424 التابعة للواء المدرع 401، وهو اللواء الذي كان خلال الأيام السابقة في خضم عمليات تطهير وتمشيط في منطقتي بيت حانون وبيت لاهيا شمالي القطاع، مع العلم بأنه يمكن، في أي وقت، تعزيز وحدات لواء "ناحال" بسائر كتائب اللواء المدرع 401 والألوية الثلاثة التي تم سحبها من جنوبي قطاع غزة، إذا دعت الحاجة الميدانية إلى ذلك.

محاور غزة القديمة … هل تعود مجدداً؟

يُعَدّ الطريق العسكري "749" - أو المعروف باسم "طريق نتساريم"، من أهم الأدوات الحالية التي يستهدف "الجيش" الإسرائيلي، من خلالها، توفير القدرتين اللوجيستية والعملياتية لقواته، على الانتشار بصورة سريعة في قطاع غزة - وخصوصاً المنطقة الشمالية - حيث أعلن إنهاء عمليات شق هذا الطريق منتصف الشهر الماضي، بهدف تقسيم القطاع إلى قسمين: شمالي وجنوبي.

حقيقة الأمر أن هذا الطريق كان موجوداً خلال مرحلة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وكان مرتبطاً بمستوطنتي "ناحال عوز" و"بئيري" في غلاف غزة، ويقطع أراضي قطاع غزة من الشرق إلى الغرب، وصولاً إلى ساحل البحر، وتمت تسميته باسم "ممر نتساريم"، نسبة إلى المستوطنة التي كانت تحمل الاسم نفسه، وكانت من أهم مستوطنات قطاع غزة، بحيث كانت تقع على بعد 5 كيلومترات جنوبي القطاع.

مع الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، لم يعد هذا الطريق مستخدماً بصورة كبيرة، وتعرض للتدمير عقب بدء العمليات العسكرية البرية الإسرائيلية في القطاع مؤخراً، إلا أن عمليات إعادته إلى الخدمة بدأت عملياً أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2023.

يبداً هذا الطريق عملياً بممر يبلغ طوله نحو 5 كيلومترات، يصل بين مستوطنتي "ناحال عوز" و"بئيري"، وبين قطاع غزة، ثم ينتهي هذا الممر في بداية منطقة جحر الديك جنوبي حي الزيتون، ويبداً الطريق الرئيس بعرض قطاع غزة وصولاً إلى ساحل شمالي غزة، ليعزل بذلك مسافة تقدر بـ 15 كيلومتراً بين منطقة جحر الديك والحدود الشمالية لقطاع غزة، ويفصلها عن المنطقة الوسطى والجنوبية، وهو ما يتوازى مع عمليات إنشاء منطقة عازلة داخل حدود قطاع غزة، بعمق كيلومتر، على طول حدود القطاع، والتي لم يتبقَّ على إتمامها سوى مناطق محدودة، تقع جنوبي مدينة رفح، وكذلك جنوبي منطقة المخيمات الوسطى.

النقطة الأهم فيما يتعلق بهذا الطريق، أنه كان جزءاً من تصور أكبر - يبدو أن الخطة العسكرية الإسرائيلية الحالية تعتمد عليه - طرحه لأول مرة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، أوائل سبعينيات القرن الماضي، في إبان فترة توليه منصب قائد المنطقة الجنوبية، يرتبط بتقسيم قطاع غزة عبر خمسة محاور وسلسلة من المستوطنات، إلى ثلاثة أقسام أساسية، معزولة عن سائر فلسطين المحتلة والحدود المصرية.

هذه الخطة تضمنت عزل المنطقة الشمالية في قطاع غزة عن عسقلان وأسدود، عبر طريق عرضي ومجموعة من المستوطنات، منها مستوطنة "نيسانيت" التي تم إنشاؤها في هذا النطاق.

كذلك تضمنت عزل المنطقة الشمالية عن المنطقة الوسطى، عبر طريق عرضي ومستوطنات، مثل مستوطنة "نتساريم"، وهو ما تم فعلاً خلال فترة الثمانينيات. وتم أيضاً فصل المنطقة الوسطى عن المنطقة الجنوبية، عبر مستوطنة "كيسوفيم" وطريق عرضي، في حين تم فصل خان يونس عن مدينة رفح بواسطة طريق عرضي ومستوطنة "نيفي ديكاليم".

أمّا المحور الخامس في هذه الخطة فكان من المفترض أن يكون في الجانب المصري من الحدود، لكن الانسحاب الإسرائيلي من سيناء حال دون تنفيذ هذا المحور.

مع الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، تم محو كل هذه المحاور، إلا أن خطة تأسيس هذه المحاور عادت فيما يبدو مرة أخرى، وخصوصاً في ظل تركيز "الجيش" الإسرائيلي في تحركاته الميدانية منذ البداية على المناطق المرتبطة بهذه الخطة، كما أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كانت طرحت، في بداية العمليات البرية في قطاع غزة، إنشاء ممر مماثل بين المنطقة الوسطى والجنوبية لقطاع غزة، تحت اسم "ممر صوفا"، لكن لم يتم تفعيل هذا الاقتراح، وتم الاكتفاء بممر "نتساريم".

خلاصة القول إن المعطيات الميدانية القائمة حالياً في قطاع غزة، سواء قرار إعادة فتح معبر "إيريز"، أو سحب الألوية المقاتلة من جنوبي غزة، أو حتى شكل تحركات "الجيش" الإسرائيلي في قطاع غزة منذ بداية الهجوم البري، باتت تشير إلى رغبة أكيدة في فصل التواصل الجغرافي بصورة دائمة بين مناطق القطاع.

وتشير عملية سحب الألوية الإسرائيلية من قطاع غزة، إلى دخول "الجيش" الإسرائيلي في مرحلة الاستعداد الأخيرة لتنفيذ عمليات جديدة في قطاع غزة، وهي عمليات لا يمكن تنفيذها إلا عبر استخدام الوحدات التي كانت موجودة بالفعل في قطاع غزة، تفادياً لاستدعاء قوات الاحتياط، أو استقدام وحدات من الجبهة الشمالية مع لبنان.

بالتالي، يمكن القول إن الوحدات، التي تم سحبها، سيتم إخضاعها لعمليات استراحة وإعادة التزود بالمؤن والذخائر، وقد يتم دفعها إلى داخل القطاع مرة أخرى خلال أسبوعين أو شهر على الأكثر.

لكن وجهة العمليات المقبلة لهذه القوات قد تكون مدينة رفح، جنوبي القطاع، وقد تكون منطقة دير البلح وما تبقى من مناطق في المخيمات الوسطى، وهما المنطقتان اللتان بقيتا داخل قطاع غزة، ولم تدخلهما القوات الإسرائيلية حتى الآن.

يُضاف إلى ذلك رغبة "الجيش" الإسرائيلي في عدم استدعاء قوات احتياط إضافية أو سحب وحدات من الجبهة الشمالية، في ظل دخول "تل أبيب"، في حالة من الاستنفار، عبر تعزيز تشكيلات الدفاع الجوي، وتجنيد جنود احتياط لدفعهم إلى هذه التشكيلات، وهو ما يتزامن مع حالة الاستنفار في سلاح الجو الإسرائيلي، ورفع حالة الاستعداد في القيادة العسكرية الإسرائيلية الشمالية.

 

محمد منصور ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل