علامات الزوال الحتمية.. رغم "الخيمة" الأميركية ــ يونس عودة

الثلاثاء 19 آذار , 2024 09:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كل يوم منذ انطلاق عملية "طوفان الاقصى" تتكشف معطيات مذهلة في ظل حرب الابادة على الشعب الفلسطيني، ولاسيما في قطاع غزة، بحيث ان العالم الذي لا يزال ينظر الى ما يجري بالعيون الاميركية المصابة بعمى الالوان, ولا سيما في الاقطار العربية, وغالبية المعطيات تؤكد بما يدع مجالا للشك ان الكيان الصهيوني في طريقه الى التفجر, دون المقدرة على اسعافه من اي قوة دولية متجبرة، كالولايات المتحدة الاميركية.

ان الرعاية الاميركية فيما تفعله ادارة جو بايدن, مع الاعلان ان اداء حكومة نتنياهو ليس في مصلحة اسرائيل, لا يبدو ان طريقها, او اسلوبها في المراوغة, سيعطي الاكل الموعود, واولها محاولة التلاعب عبر مشروع قرار اميركي ملغوم يصدر عن مجلس الامن الدولي يرمي إلى دفع "وقف إطلاق نار فوري ومتواصل" في الحرب على غزة، لكن مشروع القرار يشتمل على خداع موصوف. وكشفت  صحيفة "يديعوت احرونوت" ان  أحد التعديلات على مسودة مشروع القرار الأميركي بتشدد حيال اجتياح إسرائيلي لرفح، ومطالبة ببدء تطبيق وقف إطلاق نار بصورة فورية، وذلك خلافا للمسودة السابقة التي تطرقت إلى مخاطر الاجتياح على السكان المدنيين في الظروف الحالية فقط. وأشارت الصحيفة إلى أن الصيغة النهائية لمشروع القرار الأميركي لا تتحدث أبدا عن "ظروف كهذه أو تلك التي تسمح بمناورة برية"، وإنما عن "قلق عميق من مجرد إمكانية شن عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، وتشدد أيضا على أن مناورة للجيش الإسرائيلي في منطقة رفح ستشكل خطرا حقيقيا من خلال انتهاك القانون الإنساني الدولي"، كما أن الصيغة النهائية لمشروع القرار لا تذكر مجهودا دبلوماسيا لبدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق نار فوري، وإنما يؤيد الأميركيون من خلالها مجهودا دبلوماسيا لوقف إطلاق نار فوري ومتواصل، كجزء من صفقة تبادل أسرى.

وتشير التقديرات في "إسرائيل" إلى أن الولايات المتحدة ستسعى إلى إجراء تصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار، وذلك تحسبا من مشروع قرار موازٍ، "ويكون طابعه سلبي فيما بالنسبة لإسرائيل"، وسيتم دفع التصويت عليه خلال فترة قصيرة. كذلك تشير التقديرات في "إسرائيل" إلى أنه يتوقع أن تستخدم روسيا الفيتو ضد مشروع القرار الأميركي.

وليس بناء عليه فقط, يمكن استخلاص اي نتيجة بان الولايات المتحدة تدرك فعلا ان قيادات الاحتلال ولا سيما رئيس الوزراء الحالي لا يعرفون مصلحة "اسرائيل" ككيان قابل   للاستمرار حتى تصل الولايات المتحدة الى قناعة وخصوصا الطبقة الحاكمة حاليا من الحزب الديمقراطي, بان نتنياهو تحول الى عقبة امام المشروع الاميركي ل"السلام ", هذه مسألة اخرى في التعارض التكتيكي.

في الواقع لم يعد جوهر القضية هنا, وليس في وقف إطلاق النار , وانما في مصير الكيان ككل في ضوء انهيار الرواية الصهيونية التي تقبلها معظم دول العالم بعد ان سخرت لها الاعلامية ضخمة تمتد من المنشور الى الاعلام المكتوب والمرئي الى السينما والمسرح.

ابرز علامات السقوط التكويني الذي عملت عليه الالة الاعلامية هي ان للبشر "اليهود" قيمة غير محدودة خصوصاً المستوطنين الذين جيء بهم الى "ارض اللبن والعسل"، حيث الامن والامان والقيمة والانتاج, وكانت العلامة البارزة في الرواية ان الكيان الصهيوني لا يغامر بحياة اسراه, او جواسيسه, لكن طوفان الاقصى فضح الرواية واكاذيبها من خلال قتل الاسرى على يد جيشهم وبقرار سياسي، بينما المقاومة لا تترك اسراها ابدا ليصبح الشعار مقابل اما نحن لا نترك اسرانا , وأنتم تقتلون اسراكم بأيديكم .وبالتالي ستدفعون الثمن مزدوجا.

العلامة الثانية البارزة في معادلة الموت، انه لا يوجد في التكوين العسكري والامني والسياسي لدى الكيان, وبالتالي الثقافي العميق الا الاجرام الوحشي، مضافا اليه تعمق الازمة الداخلية والصراع الشرس على السلطة، مقابل وحدة القوى المقاومة سواء في الميدان المباشر او البعيدة عن خطوط القتال , ما جعل الانجازات اوسع من ان يتصورها المتماهين مع الرواية "الاسرائيلية", فكيف بالذين ايديهم في النار، والمقصود هنا جيش الاحتلال, وقيادته السياسية، وقد عبر عن ذلك  الوزير في المجلس الوزاري "الإسرائيلي" للشؤون السياسية والأمنية، غدعون ساعر، من خلال توجيهه، انتقادات حادة اللهجة للمجلس الوزاري لإدارة الحرب "الإسرائيلية" على قطاع غزة (كابينيت الحرب)، بقوله "ليست اسرائيل بحاجة إلى هيئة أركان عامة ثانية"، لأن الحرب على غزة "تراوح مكانها ولا تسير في الاتجاه الصحيح".

العلامة الثالثة , سقوط الهالة الامنية الاسرائيلية رغم القدرات الهائلة التي تتمتع بها على كل المستويات البشرية والتقنية والمالية , مقابل القدرات ليس فقط غير المتناسبة عند المقاومة ,بل وما تحت العادية , باسثناء العقول التي تديرها في حرب الخداع الاستراتيجي , وفي هذا المجال اقرار ساطع عبر عنه الضابط في قوات الاحتياط، د. أيال بينكو، وهو خبير في الاستخبارات والسايبر والأمن القومي، بقوله: "ليس لطيفا قول ذلك، لكنهم قاموا بعمل أفضل منا بكثير".

هذا في وقت سعت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية" (أمان) ولا تزال مستمرة , بذهول , إلى إدراك مصدر أي معلومة جُمعت من خلال مجهود حماس الاستخباري، دون فك رموز ذات قيمة، لتقتصر على احتمالات وتقديرات، وهذا كما هو معروف قمة الفشل لدى اي جهاز استخبارات , حتى ان الباحث الصهيوني في الشأن الفلسطيني في جامعتي تل أبيب ورايخمان، د. ميخائيل ميلشتاين، اقر علانية إن "الاستخبارات العسكرية في حماس هي جهاز متعدد الأبعاد ومسؤول عما تنفذه عندنا عدة أجهزة منفصلة عن بعضها. وكل الأمور يتم تركيزها في مكان واحد لدى حماس، جمع معلومات استخباراتية، تجنيد عملاء، حماية معلومات والخدع والقتال على الوعي".

بموازاة ذلك تحاول اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تغطية الفشل بالحديث مسرب عن انجازات , يتضح انها تخيلية مثل القرير الذي نشرته "يسرائيل هيوم", وفيه انه بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة في الحرب الحالية، واقتحامه "مجمع الخوادم" الذي أقامته حماس في الأنفاق والاستيلاء على حواسيب موصولة بمجمع الخوادم، "تم اكتشاف الحجم الحقيقي لقدرات حماس في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية. وما تم اكتشافه هناك أبقى عناصر الاستخبارات الإسرائيلية في حالة ذهول مطلق"، حسب التقرير. تمكنت حماس من التوغل إلى شبكة كاميرات في إسرائيل والسيطرة عليها، وعلى عناوين بروتوكولات الإنترنت (IP)، وتمكن عناصر حماس من أن يشاهدوا بحرية وبشكل مباشر بثا حيا من بلدات وشوارع وحتى من داخل بيوت.وركزت حماس على "غلاف غزة"، حيث شبكات الكاميرات في بلداته كانت واسعة، وبينها كتلك التي ترصد السياج الأمني المحيط بالقطاع، ومنشآت أمنية وأخرى حساسة. "ويتضح الآن أن حماس تمكنت من السيطرة على عشرات من هذه الكاميرات قبل 7 أكتوبر، واستخدم مقاتلوها قسما منها أثناء القتال في هذه البلدات في الأيام التالية" لهجوم "طوفان الأقصى". كذلك اكتشفت إسرائيل متأخرة قدرات حماس في مجال السايبر، واستخراج معلومات من إسرائيليين عموما ومن جنود خصوصا، وكذلك القدرة على زرع تطبيقات تجسس من خلال التوغل إلى هواتفهم.

إذا تم التدقيق في التقرير لا يمكن فهم استعراض الانجاز بالوصول الى خوادم , سيما انه إذا اضطرت اي قوة مقاومة لإخلاء مكان بسبب اي ظرف كان , لا يمكن ان تترك خلفها معلومات قيمة , فهي تعمل على تدميرها إذا كان من المستحيل اصطحابها او نقلها الى مكان آمن , الا إذا كان الهدف ايقاع العدو في موجة هستيرية لإرباكه أكثر.

اما العلامة الرابعة، ولها اهمية جدا مؤثرة, وهي تلك المتعلقة بالجيش, واذرعه المتعددة، فقد طغى في الحرب الدائرة حاليا عنصر التكتم على الخسائر بشكل غير مسبوق ,مع رقابة على النشر, بحيث تخضع كل وسائل الاعلام، بما فيها الدولية الى الرقابة المشددة على النشر , وبلاخص ما يتعلق بالقتلى العسكريين، تلافيا للعبء التراكمي ,خوفا من انكشاف الخسائر الخفية التي اذ لا يجرؤون على اعلانها وكشف ظروفها ,لأسباب عدة :

 مدى التأثير المعنوي الكبير على التكوين العسكري والامني , الذي هو بحد ذاته -"الدولة "التي تقودها عصابة قتل ., وهي ارقام لا يبدو ان تعويضها بالكفاءة المطلوبة امر سهل التحقيق , والدليل ان تلك الدورات لقادة السرايا والكتائب لملء الشواغر , والتي تقلصت الى مدة شهرين , بينما البرنامج المقرر مداه سنة ونصف
اظهار حجم الفشل ومستواه , امنيا وعسكريا , قياسا الى عدد القتلى في الميدان مقابل الاهداف غير المحققة
تغطية الفشل السياسي والدبلوماسي في اخفاء الجرائم ضد الانسانية , من عمليات الابادة الجماعية , الى جرائم الحرب الظاهرة , الى جرائم القتل العمد من خلال استهداف الناس التي تجمعت بناء على دعوات للحصول على مساعدات غذائية، وقصفها وإطلاق النار عليهم كاستهداف مباشر .
عدم السماح بنشر اعداد حالات الفرار من الميدان بسبب الشعور بالقلق من التهديد المتزايد ,وكذلك منع اللقاء مع العسكريين في ساحات القتال , سيما من قوات النخبة , بعد انكشاف خضوع الالاف للعلاج النفسي , من رعب الميدان , بموازاة معلومات بان كثيرا من الجنود الذين يزج بهم للقتال في غزة يجبرون على تلقي "حقن" مخدرة، للتغلب على الخوف من القتال
تلك هي ارهاصات متفاعلة , ومتعاظمة , بغض النظر عن استمرار الحرب الدائرة حاليا ,او توقفها بطريقة ما , في اي وقت , اما اعداد المستطاع متواصل حتى دحر
يكفي ان يعلن رئيس الاركان هاليفي الاقرار بالفشل الاستراتيجي بعد تقاذف التهم على مدى ستة اشهر : "نعم فشلنا في 7 اكتوبر , وهذه مسؤوليتنا عما جرى , بالتوازي مع لفت وسائل إعلام إسرائيلية الى ان: رئيس الأركان منعزل وصامت وفقد السيطرة على الأرض منذ زمن طويل, ونحن في أخطر فضيحة منذ تأسيس "الجيش" وأخطر فشل منذ تأسيس "إسرائيل"
اما اللواء المخضرم اسحاق بريك وهو متقاعد من الجيش الاسرائيلي، فدعا للمجاهرة قائلا : "خسرنا الحرب مع حركة حماس في قطاع غزة، والجبهة الداخلية غير مستعدة لحرب إقليمية واسعة". إنه "لا يمكنك الكذب على الكثير من الناس لفترة طويلة"، وأن "ما يجري في قطاع غزة وضد حزب الله في لبنان سينفجر في وجوهنا عاجلا أم آجلا، وحينها ستنكشف الحقيقة بكل خفاياها".
تلك هي ارهاصات متفاعلة , ومتعاظمة , بغض النظر عن استمرار الحرب الدائرة حاليا ,او توقفها بطريقة ما , في اي وقت , اما اعداد المستطاع متواصل حتى دحر الاحتلال ونهاية الكيان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل