أقلام الثبات
تحتدم فصول حرب الابادة التي ينفذها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بوهم شطب القضية الفلسطينية, وهي الحرب التي يواصل الغرب الانغلو - ساكسوني بقيادة الولايات المتحدة رعايتها, وتمويلها كشريك فعلي لدولة الارهاب المسماة "اسرائيل" من جهة, وإلزام الدول العربية بالخضوع للمشيئة الاميركية, لتامين المصالح الاميركية من جهة اخرى, بغض النظر عن المصالح العربية, والامن الوطني والقومي التي يتشدق بشعاراته بعض العرب, ليس قناعة, إنما لاحتواء الغضب الشعبي المتنامي.
ان تطور الاحداث في المنطقة وبضوء النتائج الاستراتيجية التي افرزها "طوفان الاقصى" في السابع من اكتوبر 2023, والمعززة بلوحة كبيرة من جبهات الدعم والاسناد من لبنان الى سوريا والعراق وصولا الى اليمن, يفرض على الدول العربية اعادة قراءة الاحداث ومراجعة جدية للعلاقات القائمة مع دول حلف شمال الاطلسي بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص, ويقع لبنان صاحب التجربة المرة مع تلك الدول على رأس الدول العربية في هذا المجال, لأنه يملك اوراق قوة غير متوافر نظيرها في الدول التي تتعاطى معها واشنطن كمجرد ملحقات, او غب الطلب.
وعليه يمكن طرح العديد من الاسئلة على الدول العربية, وليس من باب الجلد لفاقدي الشعور الحقيقي اتجاه ما يجري من جرائم غير مسبوقة, وانما في سياق وضع الامور في نصابها. وفي ضوء تصريح الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا الذي شخٌص ما تقوم به "اسرائيل" بانه ابادة جماعية وقال إن "ما يحدث في قطاع غزة ليس حربا، إنها إبادة جماعية"، انها "ليست حرب جنود ضد جنود، إنها حرب بين جيش على درجة عالية من الاستعداد ونساء وأطفال".. ذلك "لم يحدث في أي مرحلة أخرى في التاريخ".. "في الواقع، سبق أن حدث بالفعل حين قرر هتلر أن يقتل اليهود".
• اليس مستهجنا ان ما من زعيم عربي امتلك الجرأة لقول كلمة حق كما امتلكها دي سيلفا وقبله زعيم جنوب افريقيا فرموزا,, وهذا إذا أحسنا النوايا اتجاه من يتحدثون عن التمسك بالعروبة، اي العروبة المستحدثة بمقاييس غربية, وامامهم يذبح الشعب الفلسطيني.
• هل يجرؤ اي زعيم من الذين يستقبلون قادة دول الناتو على اختلافها ان يشهدوا على الاقل بكلمة حق, بان الشعب الفلسطيني يقاتل من اجل حقه في وطنه وتقرير مصيره, كما هم مقر في كل الشرائع والقوانين, وبالتالي فان "إسرائيل" معتدية لمجرد انها موجودة,, (اوليست هذه حقيقة تاريخية حديثة؟),وبالتالي فان الجولات التي لا تهدأ لأولئك المسؤولين في الناتو بدأ من قادة الولايات المتحدة السياسيين والعسكريين والامنيين والبرلمانيين , الى الفرنسيين والالمان والكنديين ,, الخ ,,لن يكون لها اي فائدة, ما دامت لا تأتي ولو بكلمة على حق الشعب الفلسطيني بالحياة الكريمة, ولا حتى على وقف المجازر, اي وقف النار ,واقتصار اولئك الاعمام في التركيز فقط على الاسرى الاسرائيليين, مع وعود همايونية مجربة على مدى 75 عاما, ومن ثم يأتيكم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتنبرغ: "إيران تواصل زعزعة استقرار المنطقة وتتحمل مسؤولية دعم الإرهابيين الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر. يظهر سلوك إيران لنا كيف يبدو العالم عندما لا يستند إلى قواعد - عالم غير متوقع وخطير. حيث سيكون أماننا أكثر تكلفة بالنسبة لنا"
لقد جرب العرب فرادى وجماعات التحالفات مع دول الناتو, واقامة الاحلاف التابعة له منذ "حلف بغداد" المشؤوم في منتصف خمسينيات القرن الماضي، الذي ضم بريطانيا والعراق وتركيا وباكستان وإيران الشاهنشاهية آنذاك، وقد ظهر ذلك الحلف في نفس الوقت الذي ظهر فيه حلف الناتو ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا حيث حاولت تلك التحالفات إحاطة الاتحاد السوفيتي بسلسلة من المنظمات العسكرية الموالية للغرب. وقد ظهرت فكرة التحالفات الثلاثة بعد أن عاد وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس إلى واشنطن من رحلاته في الشرق الأوسط واقترح تشكيلا دفاعيا لدول تمتد عبر أوراسيا, بذريعة احتواء الشيوعية., لإبعاد التفكير عن الاهداف الاستعمارية, وترسيخ وجود الكيان المنشأ حديثا على ارض فلسطين العربية.
لقد ورّط الغرب العديد من الدول العربية بمشاريعه الخبيثة، ومنحهم وعودا بان المن والسلوى سيهبط عليهم ,كما الرخاء الاقتصادي غير المسبوق, وقد عقدت مصر اتفاقيات "كمب ديفيد" 1979, وعقد الاردن "وادي عربة" 1994 وكلا الدولتين ازدادتا افقارا وقلاقل نتيجة التردي الاقتصادي، المعطوف على الانغماس اكثر فاكثر في الركون الى الوعود الغربية عامة والاميركية خاصة، بحيث ان مصر التي كانت تصدر غازا, تستورد الغاز من الاحتلال, والذي يبتزها في كل حين ,وفي السياق قال موقع ice الإخباري "الإسرائيلي"، إنه قد تقرر استثمار نحو 24 مليون دولار في تطوير أنابيب ضخ الغاز، مما سيسمح بزيادة إنتاج الغاز الطبيعي. وأنه بصرف النظر عن نشاطها الدبلوماسي المكثف بين إسرائيل وحماس، تعد مصر أحد العملاء الرئيسيين "لإسرائيل" في مجال الغاز الطبيعي.
اما الاردن الذي تبرع ان يكون منصة دعم غذائي للكيان عبر الخط المنطلق من الامارات الى السعودية, بموازاة التصريحات البكائية كدموع التماسيح, الزم نفسه بشراء 70 بالمئة من حاجته من المياه من "إسرائيل"، ومن اين.. من "نهر الاردن"!
ان مصر والاردن كانتا تحت الاحتلال البريطاني عمليا عند زرع الغرب الذي كانت تمثله بريطانيا الاستعمارية، الكيان الصهيوني في المنطقة, فلماذا ذاكرتهما اقل خصوبة من الذاكرة اليمنية؟
اليمن الذي كسح وكرسح الاستعمار البريطاني, ها هو اليوم يواجه الولايات المتحدة, وبريطانيا معا بإباء وكرامة مع نصرته الوازنة للشعب الفلسطيني عبر منع السفن الداعمة للاحتلال من المرور في البحر الاحمر, لأنه متيقن من خطورة المشروع الذي يحيق بالمنطقة, ولذلك انخرطت اميركا وبريطانيا بأساطيلهما في البحر الاحمر والعدوان على اليمن بذريعة حماية التجارة العالمية, التي اكدت القوات المسلحة اليمنية انها لا تستهدفها اصلا, ويضاف الى الولايات المتحدة وبريطانيا المعتديتين دوما منذ نشوئهما, اقرار وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، إطلاق عدوان جديد على المنطقة باسم العملية البحرية العسكرية "أسبيدس" في البحر الأحمر، بنفس المزاعم, اي "حماية حركة التجارة وحرية الملاحة"، وقال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، التي ستتولى بلاده قيادة قواتها": إن "إيطاليا في الصفوف الأولى لحماية مصالح السفن التجارية وحرية الملاحة في البحر الأحمر"، مشيراً إلى أن هذه العملية تعد "خطوة مهمة نحو الدفاع الأوروبي المشترك".
كل هذا الحشد الغربي من اجل كيان محتل تخصب في رحم تلك الدول التي تبيح لنفسها الاعتداء, وربما ستزداد شراسة كلما ضعف نفوذها المـتآكل في المنطقة ولا سيما الولايات المتحدة التي لم يسبق ان شعرت بالوهن كما تشعر به اليوم في "الشرق الاوسط", وهذا الامر يستوجب من الدول التي ارتخت امام الوعود الاميركية الذابلة ان تعود الى رشدها، والدفاع عن مصالح شعوبها, ولديها نافذة واسعة اليوم فتحتها امامهم فلسطين الذبيحة.
لقد اثبت التعاون والالتحاق بالسياسات الاميركية على مدى عقود, ان واشنطن, وحلفها الاطلسي, يتعاطون مع دول المنطقة مجرد بيادق على رقعة شطرنج.
ان ما حمله الموفدون الدوليون الى لبنان وكلهم من دول اعضاء في حلف الناتو المع دليل على نوايا ومساعي اولئك الحريصة فقط على ما يريده الاحتلال, من دون اي نقطة تقارب اي مصلحة لبنانية, لا بل ان الحقوق اللبنانية يمكن ان يجري البحث فيها لاحقا، بعد تنفيذ الاملاءات الاسرائيلية وتحويل لبنان بقواه الى حارس حدود يسهر على راحة المستوطنين, وحتى من دون انسحاب قوات الاحتلال من الاراضي اللبنانية.
ان التجربة اللبنانية المستمرة بفصولها المؤلمة مع الغرب الناتوي, تنطبق ايضا حتى مع الدول التي جربت ما يسمى اتفاقات السلام مع الكيان المفروض على المنطقة وصولا الى دمجه في جسدها, مع محاولات اسقاط اوراق القوة, ولعل الفيتو الغربي عموما, والاميركي خصوصا على تسليح الجيش اللبناني أحد الدلائل الخطيرة على ذلك, مع متع استخدام السلاح الاميركي, وهو سلاح فردي خفيف, حتى في الدفاع عن النفس بمواجهة اي قوة اسرائيلية ولو كانت في حالة اعتداء بائن.
ان اللهاث الاميركي لمنع الحاق ضربات بالمحتل, بموازاة التهديد للبنان والوعود العرقوبية - الهمايونية, هي الدليل الاسطع على ضعف الموقف الاميركي في المنطقة, لا بل في العالم, ما يوفر فرصة سانحة للصراخ في وجه الناتو بقيادة الولايات المتحدة, بان "كفى "وذلك في ضوء الاضرار الكبيرة التي لحقت بكل الدول العربية التي ركنت لتلك الوعود ولم تنل الا الهوان والذل.
لن يسلم الأطلسيون ببساطة, إذا بقيت الممالأة والانبطاح, وتكديس السلاح بالمليارات كرمى للغرب, شعار العرب الاول, ولعل تجربة ما يسمى "الناتو" العربي لم تقم الولايات المتحدة بدفنه , رغم العقبات السياسية التنافسية, وهي تركن الى اختراقات حققتها في بنى جيوش في المنطقة, من خلال ما قدّمه الناتو من مساهمات في الإصلاحات العسكرية في الشرق الأوسط على مستوى الدبلوماسية الدفاعية، وتحديداً من خلال التطبيع الاجتماعي للقوات المسلحة المحلية على المستوى الدولي. ولكنها تعتقد, ان مساهمة الناتو في الفعالية التشغيلية للجيوش العربية لا تزال متواضعة، ومن الواضح أنها لا تساهم في التحديث الذي يشكّل حاجة ماسّة لهذه الجيوش, ولو ان الشعار هو تعزيز البنية الأمنية في الشرق الأوسط, واللافت ان قادة الجيوش الى جانب الساسة يدركون المرامي الحقيقية, لما يسمى المساهمات والتحديث.
من المهم في الختام الاشارة الى خلاصة دراسة نشرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، وهي تعكس المفهوم الناتوي بشكل كبير, وتخلص الدراسة الى أن "هجوم حماس، في 7 أكتوبر (طوفان الاقصى) وجه ضربة قاتلة إلى المفهوم الذي اعتبر أن التفوق العسكري يكفي لضمان أمن إسرائيل.. الردع انهار، الإنذار فشل، الدفاع اختفى لساعات طويلة والحسم لا يحصل. ورغم أن الإخفاق الرهيب والثمن الباهظ هو نتيجة مجمل أخطاء بشرية، لكن حقيقة أنه في الهجومين المفاجئين الوحيدين في تاريخها (1973 و2023) دفعت إسرائيل ثمنا بسبب تمسكها بمفهوم أمني لم يصمد أمام الاختبار، وهو مؤشر واضح على أن استمرار هذه السياسة من شأنه أن يجبي ثمنا أكبر في المستقبل".