"إسرائيل" الجرائم والفضائح.. والعقاب ــ يونس عودة

الثلاثاء 13 شباط , 2024 08:36 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يحبس كثيرون حول العالم انفاسهم لما ستؤول اليه المفاوضات والمساعي لوقف حرب الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني, بينما لا يزال الغموض هو المهيمن على المشهد السياسي, مع مواصلة المجازر وجرائم الحرب والانسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال على ارض فلسطين, وتمادي القوى الصهيونية في دول العالم في ترويج السردية "الاسرائيلية" القائمة على الاكاذيب وتزوير الحقائق والوقائع من قادة الاحتلال الرسميين، سواء في الحكومة, او الجيش الاكثر اجراما في العالم، او اجهزة الامن التي تخطط وتدير سوق الأكاذيب.
في ظل هذا الواقع, وللإضاءة على بعض المسائل, يمكن  الاستعانة بما  كشفته صحيفة "هآرتس" حول الدور المركزي لوزارة الحرب "الإسرائيلية" في تقرير موثق صدر قبل سنتين تقريبا ويتكرر حاليا, وفيه اعتراف واضح بوحشية جيش الاحتلال مذ أنشئ من رحم العصابات الصهيونية، وكيف ان قادة تلك العصابات تحولوا قادة للكيان في المجالات كلها, مع انشاء وحدة امنية تخفي فظائع النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948, وهو ما يعمد الكيان الصهيوني اليوم الى تكراره مستندا الى تعميم سرديات كاذبة, تنال ترويجاتها حيزا واسعا في السياسة والاعلام من جانب الانظمة الدولية الحامية للكيان, والتي عبر رئيس الولايات المتحدة عن ذلك بفضاضة : "اذا لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها".
بناء على بحث أجراه مركز «عكيفوت لدراسات الصراع الإسرائيلي الفلسطينيّ»، كشف تقرير «هآرتس» الدور الّذي أدّته وزارة الدفاع "الإسرائيليّة" في الجهد المستمرّ والممنهج للإبقاء على كلّ الوثائق المتعلّقة بالنكبة سرّيًّا، وهي مهمّة معهودة إلى «مالماب»؛ وحدة الأمن في الوزارة.
ان مهمة "مالماب" الاساسية اخفاء حقيقة ما قامت به العصابات الصهيونيّة من تطهير عرقيّ في فلسطين، من أجل تمهيد الطريق لإيجاد الكيان الاستعماريّ. ولذلك, بالنسبة إلى "إسرائيل" فإنّ فظائع النكبة يجب أن تبقى مدفونة حقائقها في أرشيفها المليء بما اقترف من جرائم تندى لها جبين الانسانية, وتخجل النازية والفاشية من فظائعها، وقد أشار تقرير أعدّته «هآرتس» بعنوان «دفن النكبة": كيف تعمل "إسرائيل" بشكل ممنهج على إخفاء أدلّة طرد العرب عام 1948، إذ إنّه يكشف انشغال "إسرائيل" باحتمال وجود وثائق متاحة متبقّية للبحث؛ وهو ما يؤكّد أنّ المسؤولين الصهاينة، ولاحقًا الوزراء "الإسرائيليّين"، كانت لديهم معرفة تامّة بمجازر النكبة.
لقد أعلن قادة الاحتلال منذ بداية العدوان الوحشي على غزة, نيتهم وفق خطة على تهجير الفلسطينيين من القطاع باتجاه سيناء, لا بل تحدثوا عن الاماكن بالضبط, وعن وسائل وادوات ودول تمويل عملية تهجير من يبقى جيا او ينفذ من المجازر, لا بل جاهروا رغم رفض الحكومة المصرية لاستقبال اي لاجئ بأن «القاهرة وتل أبيب تقتربان من التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات الحدودية مع قطاع غزة بعد الحرب»، وأن «المحادثات بين الجانبين مستمرة منذ أسابيع وسط خلافات حول مدى السيطرة الإسرائيلية على (محور فيلادلفيا)». وأشارت إلى أن «إسرائيل وعدت مصر بعدم إجراء عمليات عسكرية في رفح قبل منح السكان وقتاً كافياً للإخلاء والانتقال إلى مناطق أخرى من غزة».. و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية كامب ديفيد» الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979.
طالما حاولت "بالماب" العمل على مسح الذاكرة الجماعية سواء للمستوطنين، القدامى منهم والجدد، عبر سردية ساعدهم في نشرها المسيطرون على وسائل الاعلام الدولية, قبل" ثورة الاتصالات والتواصل "وبإمكانات مهولة، مقابل ضعف هائل قصداً او بدون وعي من الذين نصبوا انفسهم من القادة العرب على انهم اوصياء على فضية الشعب الفلسطيني، لا بل ان البعض ساهم بصورة فعالة في عملية الترويج اللاأخلاقي التي نسجها الصهاينة ومعهم الغرب ضد الشعب الفلسطيني وقضيته والقوى الحية فيه، ولا سيما المقاومة التي كانت ترد على الارهاب بوصمها بالإرهاب, في سياق مخطط قذر , بعد ان رأى بأم العين وقائع تنسف اسس الدعاية الصهيونية .لكنهم واصلوا دورهم كشهود زور، وهذا ما شهدناه على مدى الاشهر الاربعة من محاولات تجاهل المجازر وحرب الابادة، لا بل والتشفي احيانا بما يحل بالشعب الفلسطيني، رغم حركة الوعي التي تنتشر في العالم , والاشارة بأصابع الاتهام الواضح على ان ما يجري حرب ابادة, وهو ما دفع محكة العدل الدولية قبول الدعوى تحت هذا العنوان "حرب ابادة".
في التقرير الّذي صدر بداية شهر كانون الأوّل 2021 أظهر «مركز عكيفوت» و«هآرتس» مدى معرفة القادة الإسرائيليّين بفظائع النكبة. يبدأ التقرير الأخير بشكل صادم، لقد كانت مذابح العصابات الصهيونيّة فظيعة إلى حدّ أنّ الوزير في الحكومة الإسرائيليّة حاييم - موشيه شابيرا أعلن أنّ "كلّ أسس إسرائيل الأخلاقيّة تضعضعت". وإذا ما وضعنا جانبًا التناقض في افتراض أنّ من الممكن أن نجد أيّ أسس أخلاقيّة في الاستعمار، فإنّ أوّل وزراء إسرائيليّين تنبّؤوا بحالة الوعي الإسرائيليّ والتلقين الّذي سيدفع الإسرائيليّين إلى تصديق السرديّة الاستعماريّة وتبنّيها.
ليست مذبحة دير ياسين الأكثر شهرة بين مذابح النكبة، الا واحدة من بين مذابح كثيرة بذات الوحشيّة، في تلك الايام الا ان ما حدث ويحدث في غزة, وفي الضفة الغربية, بأحدث وأقذر وسائل القتل في العالم تعمل قوات الاحتلال ورعاتها الدوليين على محاولات طمس وقائعها، بعد ان فشلت في إبقائها بعيدة عن عيون الشعوب.
ان الاجرام متأصل في تأسيس الكيان الصهيوني وقد عبر إيلان بابيه باقتضاب "إنّ تأريخ النكبة، سواء من قِبَل فلسطينيّين أو غيرهم، لا يُشَرْعَن بوجود وثائق في الأرشيف الإسرائيليّ أو لا، لكنّ قيمة هذه الوثائق تكمن في كشف أنّ طبيعة المشروع الصهيونيّ عنيفة بشكل بنيويّ، وليس بشكل عرضيّ، وفي تكذيب الخطاب الإسرائيليّ الرسميّ حول نشأة الدولة".
ان حكاية غزة اليوم, كحكاية فلسطين الطويلة مع الاجرام الصهيوني الذي لا يتدرج بالتهويل, والترويع, بل بالمباشر, وقد شهد لبنان بعض فصوله منذ العام 1948 وحتى سنوات خلت, حين خرجت المقاومة كقوة رادعة, لا يهاب رجالها المنون, وهم يدركون ما يفعلون, ولعل مجزرة مدينة الخيام التي تقترب ذكراها والتي حصلت في اذار 1978 تشبه حكاية غزة، حينها ارتكبت العصابات التابعة "لإسرائيل"  مجزرة رهيبة بحق الشيوخ والعجزة حيث استشهد فيها اكثر من 61 شخصا اصغرهم في سن الستين، ,وفد جرى تدمير الخيام بشكل كامل بعد نهب ما تبقى من منازل, حتى قضبان الحديد في الاسطح, وقد وثقت الصحافة آنذاك كل شيء, ومن بينها بعض المراسلين "الإسرائيليين", وفي السياق وكشهادات من اهل المجرم, "كتب  مراسل "جيروزالم بوست" الذي رافق الصهاينة أثناء الهجوم على الخيام:
"وقفت أراقب برعب وهلع سقوط مئات القذائف على التلة: كنت قد رأيت الخيام بواسطة منظار جيد، وأعجبت بسحر سقوف منازلها الحمراء. إن للبلدة جمالاً رائعاً أخّاذاً، يصلح لأن يكون منظراً بريدياً.. كان يمكن أن تكون هذه البلدة مقراً للراحة في الظروف الطبيعية. سكتت المدافع مفسحة" في المجال لتقدم المشاة بعد أن انتهت الطائرات من تدمير ما عجزت عن تدميره المدفعية. أذكر أني فكرت وقلت وأنا واقف هناك مذهولا" والى جانبي العديد من المذهولين مثلي نستمع الى صرخات الرعب، قلت ان كمية المتفجرات التي استعملت في التدمير كانت كبيرة جدا" بالنسبة لهذه البلدة. ولا لزوم للتذكير بأن حادثة الخيام لم تكن الوحيدة، فقد جرت نفس الأحداث في نفس الوقت في أعداد كبيرة من القرى والمدن تلك الليلة..
اما هيرش غودمان مراسل جيروزاليم بوست فكتب "دخلت الخيام مع أول دفعة من جيش الدفاع، وقد استغرقت رحلةُ عبورنا ثلاثة كيلومترات الى البلدة سبعَ ساعات بسبب تراكم الدمار. كنت قد رأيت الأوتوبيس يوم السبت وما زالت الجثث مطروحة ورائحة اللحم البشري المحروق في أنفي. كنت أتحرق للانتقام، ولكني لم أكن مستعدا" لرؤية ما رأيته في الخيام. لم يبق أثر لأي منزل. لقد دمرت البلدة بأسرها. والأفظع من ذلك أنه لم تقع أية اصابة في صفوف "الإرهابيين". ولم نستطع القبض سوى على عدد ضئيل جدا" لا يتجاوز عدد أصابع اليد.
لقد عاد اهل الخيام اليها ككل القرى الجنوبية التي شهدت الاجرام الاسرائيلي وميليشياته, واعدوا اعمارها أجمل مما كانت, كما اعادوا بناء جزء كبير منها دمرته الطائرات في حرب تموز 2006 , منذ لحظة وقف العمليات العسكرية, وهكذا سيكون في غزة وغيرها من البلدات الجنوبية في لبنان التي حل فيها دمار, اكان كبيرا ام صغيرا.
ان التكامل في المشهد بين غزة اليوم والخيام 1978, ودير ياسين 1948 لا يمكن بعد اليوم ان يمر عليه الزمن بالأكاذيب, وككل مجرم عندما يرتكب جريمة جديدة ولم يحاسب على ما سبق, تفتح له كل السجلات القذرة, سيما وان اولياء الدم والدمار, غادرهم الترويع الى غير رجعة, بعد ان شهدوا ويشهدون كل يوم فنونا غير مسبوقة في الحرب وادارتها, وفي الانتماء الحقيقي للوطن, لا بالشعارات الكاذبة التي تتماهى السردية الاسرائيلية.
بلا شك ان الدروس المستقاة حاليا, من الحرب الدائرة على جبهات عدة, والتي ستكون  على مدى سنوات مدار ابحاث معمقة, بعدما شهد العالم النموذج الجديد في ادارة المقدرات العسكرية البسيطة بنجاح غير مسبوق, وكشف سرديات الاكاذيب في آن, كما شهد ادارة تكتيكية تخدم الاستراتيجية السياسية والعسكرية خلال الحرب وقبلها, ومن ثم بعدها, والنتائج التي سيكون لها بصمات تتجاوز الاقليم الى العالم وتكون خلاصتها: "ان فنون الحرب تمر بثورة حقيقية".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل